بقلم : د. عصام العريان
أبى عام 2007 أن يودعنا وداعًا عاديًا، فكانت أيامه الأخيرة دموية في باكستان باغتيال "بنظير بوتو" ومعها العشرات مما يؤذن بآثار سياسية وتداعيات خطيرة تمتد من باكستان إلى الجوار القريب والبعيد، وتصاعدت الهجمات الصهيونية على غزة والضفة ليرتقي المزيد من الشهداء وتتوتر العلاقات على الجانب الشرقي لمصر وتظهر مبكرًا جدًا آثار فشل مؤتمر "أنابوليس" الذي كان من أبرز علامات 2007.ومن باكستان إلى فلسطين مرورًا بأفغانستان والعراق وإيران نلمس أهم ملامح العام المنصرم وهو "تراجع المخططات الأمريكية" و"تراكم الفشل الأمريكي" مما أدى إلى المزيد من الفوضى المدمّرة في المنطقة العربية والإسلامية دون وجود بديل يملأ الفراغ الذي يترتب على ذلك الفشل وهو ما أنتج حالة من عدم اليقين والسيولة وانتظار المجهول أو المجاهيل.
***
كان من الممكن أن تكون عودة "بنظير بوتو" أبرز محطات العام الذي نودعه بعد سنوات ثماني في المنفى، وأن يكون فوزها في الانتخابات التي أصبحت في حكم المجهول أول محطات العام الذي نستقبله لتتقاسم السلطة مع الجنرال المتشبث بها إلى آخر رمق في حياته في خطة أمريكية مرسومة لمواجهة أشباح تنظيم "القاعدة" في إطار الحرب على الإرهاب التي تسببت في المزيد من العمليات الإجرامية والإرهابية في كافة أنحاء العالم باستثناء أمريكا نفسها مما يزيد الشكوك حول تلك الحرب العجيبة التي لم يشهد العالم مثلها في تاريخه.أضحى اغتيال "بوتو" أبرز محطات الفشل الأمريكي خلال عام 2007 لتنعكس آثاره على باكستان نفسها ثم على الجار الأقرب "أفغانستان" التي عكس عام 2007 سيطرة حركة "طالبان" على أكثر من 50% من أراضيها وشهد في الشهر الأخير حملة عسكرية على "موسى قلعة" لاستعادتها كأبرز المدن التي تسيطر عليها كما شهد من قبل زيارات لقيادات سياسية أوروبية بارزة ليتعهدوا بمواصلة دعم الحكومة العميلة للغرب بقيادة "كارازي" والتي لا تسيطر إلا على العاصمة "كابل" وليؤكدوا استمرار بقاء القوات الأوروبية والدولية لحلف الأطلسي حتى إنجاز المهمة التي لم تعد بنفس الوضوح السابق في ظل تواتر الأخبار عن اتصالات سرية يقوم بها سياسيون أوروبيون مع "طالبان" مما أزعج حكومة "كارازاي" فقامت بطرد اثنين من هؤلاء ولم تعبأ بالاحتجاجات الأوروبية.قطعًا كان أهم مطالب أمريكا من تحالف "بوتو ـ مشرف" القضاء على الدعم القادم من باكستان، ولعله من قطاعات استخباراتية وعسكرية، لحركة طالبان ولعل الاتهامات التي ظهرت حتى الآن ضد الحكومة الباكستانية وضد مشرف شخصيًا تعكس حجم الفوضى الضاربة في جهاز الدولة الباكستانية، وكما هول الحال في أهم محطات الاغتيالات العالمية ستبقى أسرار ضخمة طي الكتمان مع دفن جثمان "بوتو" وسيعلق الاتهام في رقبة القاعدة وطالبان.
***
إذا كان عام 2006 ودعنا بالمشهد المروع لإعدام "صدام حسين" وها هو 2007 يودعنا بمشهد أكثر دموية باغتيال "بوتو" فإن الشهور الـ 12 بين المشهدين تعكس تراجع القوى العظمى الوحيدة ووهم الإنفراد بالعالم من جانب نخبة المحافظين الجدد الذين رسموا سياسات إدارة بوش الابن على مدار السنوات الماضية ثم قفزوا من السفينة الغارقة كالفئران المذعورة.أصبح المشهد العراقي الآن مع نهاية 2007 يبحث عن استراتيجية للخروج المشرف للقوات الأمريكية التي كادت تصبح وحيدة بعد انهيار التحالف بخروج الحلفاء الواحد إثر الآخر بعد الهزائم المتتالية للزعماء الذين التحقوا بسيد البيت الأبيض وخروجهم من كراسي الحكم الواحد بعد الآخر، وها هو "جورج بوش الابن" نفسه وبحكم الدستور الأمريكي سيترك البيت الأبيض بعد أقل من عام غير مأسوف عليه وها هو يستعد لرحلة وداعية لبلادنا ولسان حاله يقول للزعماء العرب الذين ورطهم بمغامراته الفاشلة : خلصّوا أنفسكم لأني لا أستطيع خلاص نفسي بعد أن تركني الأصدقاء والحلفاء والناصحون المقربون..!!أضاف عام 2007 إلى العراق همومًا إضافية وارتباكات أكثر واضطرابا في الرؤية وغيومًا في الأفق، ولكنه قد يكون العام الذي وضع بداية النهاية لأقصر احتلال في التاريخ.
***
يوّدع لبنان عام 2007 بدون رئيس للجمهورية في بلد التوافق والطوائف وها هي الجلسة العاشرة أو الـ (11) ـ لا أدري ـ قد تم تأجيلها إلى ما بعد الأعياد المسيحية بالميلاد المجيد.أما فلسطين الحبيبة فتودّع عامًا وتستقبل آخر بمزيد من الشهداء والدماء الزكية التي تروي شجرة الاستقلال والحرية، ومع ارتقاء الشهداء تتواصل اجتماعات أبو مازن مع أولمرت بدون نتيجة حيث يستمر الاستيطان والتوسع في المزيد من المساكن والمستوطنات وبناء الجدار العازل، جدار الفصل العنصري والهجمات البربرية على غزة والضفة مع صمت عربي بل وصل إلى درجة التواطؤ في حصار غزة ومنع الاحتجاجات الشعبية على ذلك الحصار والتهديد الصهيوني والعقاب الأمريكي لفرض المزيد من الحصار والتجويع على شعب مقاوم ومجاهد وعقابه على اختياره الحر في انتخابات نزيهة وحرة.وفي مصر الكنانة نودّع 2007، عام المحاكمة العسكرية الظالمة لنخبة من شرفاء هذا الوطن لتتضح مع نهايته أبعاد تلك المحاكمة بعد التخبط والارتباك والرسائل المتضاربة التي أرسلتها هيئة المحكمة للمتهمين وأسرهم وللإخوان والرأي العام، فقد اتضح للجميع أن التهمة الحقيقية التي يحاكم عليها هؤلاء هي انتمائهم للإخوان، وكأن الإخوان شبح خفي ليس له 88 الـ 20% نائبا في البرلمان ويملأون الأصقاع والبلاد بعشرات الآلاف.ويودّع المصريون عام 2007 مع تصاعد حركة الاحتجاجات العمالية التي انضم إليها قبل نهاية العام في سابقة لم تحدث منذ عام 1919 موظفو الضرائب العقارية كممثلين لموظفي الحكومة حيث بدأ تذمر الأطباء وأساتذة الجامعات وغيرهم، هذه الاحتجاجات تتواكب مع موجة الغلاء وارتفاع الأسعار وعدم قدرة غالبية الشعب على مواجهة هذا الغلاء البشع الذي وصل إلى نسبة تزيد على 30% نودّع 2007 ومعه ودعنا آخر انتخابات شبه حرة في عام 2005 حيث بدأ العام بانتخابات مزورة في مجلس الشعب بينما يظل 12 مقعدًا أصليًا خاليًا دون انتخابات منذ عام 2005م في مفارقة عجيبة لا تحدث إلا في مصر.***سيظل المشهد الغالب على 2007 الذي ينقضي بعد ساعات هو التراجع الأمريكي بما يصاحبه من فوضى مدمرة وانتهاء عصر القوة الوحيدة بعد صحوة روسيا ومحاولات أوروبية للبحث عن دور، ومحاولات إيران الحصول على جزء من كعكة الدور الإقليمي في العراق والخليج، وسيظل حضور الرئيس الإيراني قمة مجلس التعاون الخليجي قرب نهاية العام أحد أبرز ملامح 2007 ليترجم حضورًا إيرانيًا فرض نفسه بحنكته السياسية والقدرة على لعب الأوراق الهامة وطول النفس والقدرة على الممانعة وقول "لا" لأمريكا، فمتى نستطيع التنفس أو قول "لا".كل عام وانتم بخير
0 التعليقات:
إرسال تعليق