رسالة من محمد مهدى عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ، على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد..
فإن المتأملَ في الواقعِ العالمي من حولنا، والأحداثِ التي تتوالى خلال العِقدَيْن الماضيَيْن، تتضح له خطورةُ الحقبةِ التي نعيشها؛ من حيث المكر العالمي والكيد الصهيوني الأمريكي للعالم الإسلامي والمنطقة العربية، ويزيد من وقْع الخطر أنهم وجدوا حفنةً من بني جلدتنا يتجاوبون مع مشروعهم، ويصفونهم بأنهم المعتدلون من المسلمين، وأنهم فقط هم الذين يمنحون المنطقة السلامَ، ومن عداهم إرهابيون.
وهؤلاء يعض عليهم الأمريكان والصهاينة بالنواجذ؛ لأنهم يرون فيهم إسلامًا لا يقاومُ ولا يقفُ في وجه الطغيان، وحين قبلوا بالإسلام المجاهد المقاوِم على مضضٍ فترةً من الزمن، فذلك حين كان يقاوم الشيوعية، فلما قضوا منه وطرهم عادوا سيرتهم الأولى حربًا على الإسلام حتى لا يحكم أيَّ بلد؛ لأنه حين يحكم ستنشأ الشعوب نشأةً أخرى، وستعلم أن إعداد القوة فريضة وأن مقاومة المستعمر وطرده فريضة وحق مشروع، وهذه المقاومة هي العقبة الكئود التي تقف حجر عثرة في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية.
هذه الحفنة المستغربة لا تقدر على الكفاح، ولا تدَعُ الشعوب أن تكافح، ومن ثمَّ اخترعت كلمات: المفاوضات والمحادثات والمؤتمرات؛ لأنها وسيلةٌ سهلةٌ لا تكلِّف شيئًا، وتضمن كراسي الحكم، وكلما همَّت الشعوبُ أن تسلك طريقَها، وأن تواجِه الغاصبينَ المحتلينَ، حالت تلك الفئةُ بينها وبينهم، ووقفوا من دونهم يصارعون الشعوبَ، وتصارعهم الشعوبُ، والأخطر من ذلك أنهم يحملون معهم طائفةً من أبناء البلاد التي يريدون غزوَها واحتلالَها؛ لينفِّذوا بأيديهم أجندتَهم، فحرَقوا بلادَهم، ودمَّروا أوطانَهم، وقتلوا أهليهم وذويهم، وشرَّدوا شعوبَهم، وكل ذلك ليجلس على كرسي مصبوغ بدم شعبه، ويهتزُّ من تحته، ولن يستقر إلا على قتل كلِّ مسلم أبيٍّ، وتشريد كل حرٍّ وطني، واعتقالٍ بلا محاكمة لكلِّ من يستعصي على السير في ركاب المفسدين؛ الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، ومحاكمة كل مواطن كريم شريف يبني الوطن وينشر الخير، وسجن كل من يرفض الذل ويأبى الضيم.. ألا ما أتعسها من حفنة شقية مفسدة لا يحبها الله (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: من الآية 77)!! وسيُحبط اللهُ مكرَها، ولن يصلح عملها (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس: من الآية 81)!!.
أيها الحكام المسلمون.. أنا لكم ناصح أمين
إن المؤتمرات لم تُجدِ نفعًا في قضية فلسطين منذ ما يربو على ستين سنةً، فهل هذه فترة غير كافية؟ وهل تحتاجون إلى ستين سنةً أخرى تأتي على الأخضر واليابس؟ وهل اللدغات في العقود الماضية لم تكفِ، وتحتاجون إلى مزيد من اللدغ والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: "لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ"؟ وهل تأملون من بائع السم أن يمنحكم الشهد؟! وهل تبتاعون السلام من موقدي الفتن ومشعلي الحروب.. (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: من الآية 64)؟!أما آن لكم أيها الحكام أن تصمُّوا الآذان عن الوعود والعهود التي تقدِّمها أمريكا والصهيونية العالمية وتسمعوا لربكم حين يبيِّن لكم أن هؤلاء ينبذون العهود، وأن ما يبرمه السابق يهدمه اللاحق؟ قال تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100)) (البقرة)، كما يبين لنا ربنا أنهم لم يُوفُوا بعهدهم في كل مرة، قال تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56)) (الأنفال)، ومن لا يصدِّق ذلك فليأتِنا بمرة واحدة في التاريخ كان الوفاء خليقتهم، وأنَّى لهم ذلك، وهم لم يوفوا مع ربهم ولا مع أنبيائهم ولا مع رسولنا صلى الله عليه سلم؟! فهل تنتظرون منهم بعد ذلك وفاءً؟!
يا قوم.. إن ربكم يكشف لكم ما لا تقدرون على الوصول إليه، إنه يصف قلوبهم ويرسل لكم تقريرًا بما انطوت عليه، وإنكم مهما كان حبُّكم لهم فلن يحبوكم أبدًا: (هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) (آل عمران: من الآية 119)، وإن ما تسمعونه كلامٌ لفضِّ المجالس ولإرضائكم؛ ليسخِّروكم في تحقيق مآربهم.. (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ) (التوبة: من الآية 8)، ويظهر ذلك في فلتات لسانهم.. (قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ) (آل عمران: من الآية 118).
طريق الخلاص وطريق الهلاك
يا قوم.. إذا كنتم تريدون الخلاص من براثن الوحش الغربي، فهناك طريق واحد مستقيم؛ لا تتشعب فيه المسالك؛ فهو أقرب: اعرف نفسك، وراجع قواك، واستعدّ للصراع، وابدأ في الكفاح، ولا تستمع إلى صوت المستسلمين المخادعين.
وأما إذا كنتم تطلبون الراحة والدَّعة مع الذين أخلدوا إلى الأرض من الساسة؛ فأمامكم طرق ملتوية متعرجة؛ هناك المفاوضات والمحادثات والدبلوماسية الناعمة الرقيقة، وهناك الانتظار الذي لا ينتهي، والاستجداء الذي لا يغني، وهناك المؤتمرات والموائد المستديرة والوثائق المتتالية؛ كامب ديفيد، أوسلو، خريطة الطريق، مؤتمر دايتون، وأنابوليس.
الإسلام باقٍ والمسلمون منتصرون
إن الواقع مهزلة ومأساة، ولكن العزاء أن للإسلام أولياءَه الذين جعلوا اللهَ غايتَهم، ويعملون له وحده، ويسلكون في مواجهتهم لأعدائهم الطريقَ القويمَ الذي بيَّنه لهم ربهم، وهذه بعض معالمه:
* إن الأعداء سيعملون لإطفاء نور الإسلام..(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)) (الصف).
* وإنَّ قتالهم لنا لن يتوقف.. (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا(البقرة: من الآية 217).
* ولقد وعد الله بتحطيم قلوبهم بالرعب.. (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) (آل عمران: من الآية 151).
* في المقابل يثبِّت الله المؤمنين.. (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (الأنفال: 12).
* وإن الله معنا يؤيِّدنا وينصُرُنا، ومن يكن الله معه لا يقدر أحدٌ على مغالبته.. (إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران: من الآية 160).
* وقد أخبرنا ربُّنا أن هذا النصر له ثمنٌ وتضحياتٌ، ولن يتحقق إلا بعد أن تمسَّنا البأساء والضراء.. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)) (البقرة).
* ويخفِّف من وقْع الألم أنه يصيب الأعداء أيضًا، ونرجو من ورائه الشهادة والجنة.. (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) (النساء: من الآية 104).
فالثباتَ الثباتَ أيها المجاهدون في كل مكان، والثباتَ الثباتَ أيها الإخوان المسلمون؛ فبشائر النصر تبدأ حين يدبُّ الرعب في قلوب الأعداء، وقد ألقت صواريخ المقاومة في فلسطين بالرعب في قلب الصهاينة، وشلَّت تفكيرَهم، ولا سبيل للقضاء عليها، وأضحت أمريكا والصهاينة ينشدان تهدئةً مع حماس والمقاومة!!.
وفي العراق أيقنت أمريكا أنها لن تقدِرَ على كسرها أو القضاء عليها، وفي أفغانستان أصبحوا يطلبون المزيدَ من الجنود، وأصبح الموت ينزل بهم في كل يوم، وفي الشيشان، وفي الصومال.. ضربات المقاومة تزداد.
أيها المسلمون.. حقٌّ عليكم أن تدعموا المجاهدين في كل مكان؛ سياسيًّا وماديًّا وإعلاميًّا ومعنويًّا بقدر ما تستطيعون، وعلم الله أننا نتمنَّى الجهاد بمالنا وأنفسنا مع المجاهدين، وشعارنا: الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، ونحمِّل حكامَنا وزْرَ الحيلولة بيننا وبين الجهاد، ونصرة الإسلام والمسلمين.
أيها الإخوان المسلمون.. الثباتَ الثباتَ؛ فإن الثبات ركنٌ في بيعتكم فوفُّوا به، ونريد بالثبات أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته، مهما بعدت المدَّة، وتطاولت السنوات والأعوام، حتى يلقى الله على ذلك، وقد فاز بإحدى الحسنيين؛ فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)) (الأحزاب)، والوقت عندنا جزء من العلاج والطريق طويلة المدى، بعيدة المراحل، كثيرة العقبات، ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة.
أيها المسلمون.. إن فلسطين وديعة في ذمَّتنا، فإن لم نستردَّها من الصهاينة فإنَّا إذًا لخاسرون.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: من الآية 21).
فإن المتأملَ في الواقعِ العالمي من حولنا، والأحداثِ التي تتوالى خلال العِقدَيْن الماضيَيْن، تتضح له خطورةُ الحقبةِ التي نعيشها؛ من حيث المكر العالمي والكيد الصهيوني الأمريكي للعالم الإسلامي والمنطقة العربية، ويزيد من وقْع الخطر أنهم وجدوا حفنةً من بني جلدتنا يتجاوبون مع مشروعهم، ويصفونهم بأنهم المعتدلون من المسلمين، وأنهم فقط هم الذين يمنحون المنطقة السلامَ، ومن عداهم إرهابيون.
وهؤلاء يعض عليهم الأمريكان والصهاينة بالنواجذ؛ لأنهم يرون فيهم إسلامًا لا يقاومُ ولا يقفُ في وجه الطغيان، وحين قبلوا بالإسلام المجاهد المقاوِم على مضضٍ فترةً من الزمن، فذلك حين كان يقاوم الشيوعية، فلما قضوا منه وطرهم عادوا سيرتهم الأولى حربًا على الإسلام حتى لا يحكم أيَّ بلد؛ لأنه حين يحكم ستنشأ الشعوب نشأةً أخرى، وستعلم أن إعداد القوة فريضة وأن مقاومة المستعمر وطرده فريضة وحق مشروع، وهذه المقاومة هي العقبة الكئود التي تقف حجر عثرة في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية.
هذه الحفنة المستغربة لا تقدر على الكفاح، ولا تدَعُ الشعوب أن تكافح، ومن ثمَّ اخترعت كلمات: المفاوضات والمحادثات والمؤتمرات؛ لأنها وسيلةٌ سهلةٌ لا تكلِّف شيئًا، وتضمن كراسي الحكم، وكلما همَّت الشعوبُ أن تسلك طريقَها، وأن تواجِه الغاصبينَ المحتلينَ، حالت تلك الفئةُ بينها وبينهم، ووقفوا من دونهم يصارعون الشعوبَ، وتصارعهم الشعوبُ، والأخطر من ذلك أنهم يحملون معهم طائفةً من أبناء البلاد التي يريدون غزوَها واحتلالَها؛ لينفِّذوا بأيديهم أجندتَهم، فحرَقوا بلادَهم، ودمَّروا أوطانَهم، وقتلوا أهليهم وذويهم، وشرَّدوا شعوبَهم، وكل ذلك ليجلس على كرسي مصبوغ بدم شعبه، ويهتزُّ من تحته، ولن يستقر إلا على قتل كلِّ مسلم أبيٍّ، وتشريد كل حرٍّ وطني، واعتقالٍ بلا محاكمة لكلِّ من يستعصي على السير في ركاب المفسدين؛ الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، ومحاكمة كل مواطن كريم شريف يبني الوطن وينشر الخير، وسجن كل من يرفض الذل ويأبى الضيم.. ألا ما أتعسها من حفنة شقية مفسدة لا يحبها الله (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: من الآية 77)!! وسيُحبط اللهُ مكرَها، ولن يصلح عملها (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس: من الآية 81)!!.
أيها الحكام المسلمون.. أنا لكم ناصح أمين
إن المؤتمرات لم تُجدِ نفعًا في قضية فلسطين منذ ما يربو على ستين سنةً، فهل هذه فترة غير كافية؟ وهل تحتاجون إلى ستين سنةً أخرى تأتي على الأخضر واليابس؟ وهل اللدغات في العقود الماضية لم تكفِ، وتحتاجون إلى مزيد من اللدغ والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: "لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ"؟ وهل تأملون من بائع السم أن يمنحكم الشهد؟! وهل تبتاعون السلام من موقدي الفتن ومشعلي الحروب.. (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: من الآية 64)؟!أما آن لكم أيها الحكام أن تصمُّوا الآذان عن الوعود والعهود التي تقدِّمها أمريكا والصهيونية العالمية وتسمعوا لربكم حين يبيِّن لكم أن هؤلاء ينبذون العهود، وأن ما يبرمه السابق يهدمه اللاحق؟ قال تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100)) (البقرة)، كما يبين لنا ربنا أنهم لم يُوفُوا بعهدهم في كل مرة، قال تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56)) (الأنفال)، ومن لا يصدِّق ذلك فليأتِنا بمرة واحدة في التاريخ كان الوفاء خليقتهم، وأنَّى لهم ذلك، وهم لم يوفوا مع ربهم ولا مع أنبيائهم ولا مع رسولنا صلى الله عليه سلم؟! فهل تنتظرون منهم بعد ذلك وفاءً؟!
يا قوم.. إن ربكم يكشف لكم ما لا تقدرون على الوصول إليه، إنه يصف قلوبهم ويرسل لكم تقريرًا بما انطوت عليه، وإنكم مهما كان حبُّكم لهم فلن يحبوكم أبدًا: (هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) (آل عمران: من الآية 119)، وإن ما تسمعونه كلامٌ لفضِّ المجالس ولإرضائكم؛ ليسخِّروكم في تحقيق مآربهم.. (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ) (التوبة: من الآية 8)، ويظهر ذلك في فلتات لسانهم.. (قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ) (آل عمران: من الآية 118).
طريق الخلاص وطريق الهلاك
يا قوم.. إذا كنتم تريدون الخلاص من براثن الوحش الغربي، فهناك طريق واحد مستقيم؛ لا تتشعب فيه المسالك؛ فهو أقرب: اعرف نفسك، وراجع قواك، واستعدّ للصراع، وابدأ في الكفاح، ولا تستمع إلى صوت المستسلمين المخادعين.
وأما إذا كنتم تطلبون الراحة والدَّعة مع الذين أخلدوا إلى الأرض من الساسة؛ فأمامكم طرق ملتوية متعرجة؛ هناك المفاوضات والمحادثات والدبلوماسية الناعمة الرقيقة، وهناك الانتظار الذي لا ينتهي، والاستجداء الذي لا يغني، وهناك المؤتمرات والموائد المستديرة والوثائق المتتالية؛ كامب ديفيد، أوسلو، خريطة الطريق، مؤتمر دايتون، وأنابوليس.
الإسلام باقٍ والمسلمون منتصرون
إن الواقع مهزلة ومأساة، ولكن العزاء أن للإسلام أولياءَه الذين جعلوا اللهَ غايتَهم، ويعملون له وحده، ويسلكون في مواجهتهم لأعدائهم الطريقَ القويمَ الذي بيَّنه لهم ربهم، وهذه بعض معالمه:
* إن الأعداء سيعملون لإطفاء نور الإسلام..(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)) (الصف).
* وإنَّ قتالهم لنا لن يتوقف.. (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا(البقرة: من الآية 217).
* ولقد وعد الله بتحطيم قلوبهم بالرعب.. (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) (آل عمران: من الآية 151).
* في المقابل يثبِّت الله المؤمنين.. (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (الأنفال: 12).
* وإن الله معنا يؤيِّدنا وينصُرُنا، ومن يكن الله معه لا يقدر أحدٌ على مغالبته.. (إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران: من الآية 160).
* وقد أخبرنا ربُّنا أن هذا النصر له ثمنٌ وتضحياتٌ، ولن يتحقق إلا بعد أن تمسَّنا البأساء والضراء.. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)) (البقرة).
* ويخفِّف من وقْع الألم أنه يصيب الأعداء أيضًا، ونرجو من ورائه الشهادة والجنة.. (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) (النساء: من الآية 104).
فالثباتَ الثباتَ أيها المجاهدون في كل مكان، والثباتَ الثباتَ أيها الإخوان المسلمون؛ فبشائر النصر تبدأ حين يدبُّ الرعب في قلوب الأعداء، وقد ألقت صواريخ المقاومة في فلسطين بالرعب في قلب الصهاينة، وشلَّت تفكيرَهم، ولا سبيل للقضاء عليها، وأضحت أمريكا والصهاينة ينشدان تهدئةً مع حماس والمقاومة!!.
وفي العراق أيقنت أمريكا أنها لن تقدِرَ على كسرها أو القضاء عليها، وفي أفغانستان أصبحوا يطلبون المزيدَ من الجنود، وأصبح الموت ينزل بهم في كل يوم، وفي الشيشان، وفي الصومال.. ضربات المقاومة تزداد.
أيها المسلمون.. حقٌّ عليكم أن تدعموا المجاهدين في كل مكان؛ سياسيًّا وماديًّا وإعلاميًّا ومعنويًّا بقدر ما تستطيعون، وعلم الله أننا نتمنَّى الجهاد بمالنا وأنفسنا مع المجاهدين، وشعارنا: الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، ونحمِّل حكامَنا وزْرَ الحيلولة بيننا وبين الجهاد، ونصرة الإسلام والمسلمين.
أيها الإخوان المسلمون.. الثباتَ الثباتَ؛ فإن الثبات ركنٌ في بيعتكم فوفُّوا به، ونريد بالثبات أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته، مهما بعدت المدَّة، وتطاولت السنوات والأعوام، حتى يلقى الله على ذلك، وقد فاز بإحدى الحسنيين؛ فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)) (الأحزاب)، والوقت عندنا جزء من العلاج والطريق طويلة المدى، بعيدة المراحل، كثيرة العقبات، ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة.
أيها المسلمون.. إن فلسطين وديعة في ذمَّتنا، فإن لم نستردَّها من الصهاينة فإنَّا إذًا لخاسرون.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: من الآية 21).
0 التعليقات:
إرسال تعليق