الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغرِّ المحجَّلين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد..
فإن الشباب في كل أمة هم عماد نهضتها، وسرُّ قوتها؛ فهم الذين تتوفَّر فيهم القوة والفتوَّة، والحماس للعمل، والقدرة على بذل الجهد، والعزيمة والإرادة، والرغبة في التضحية، وتلك أمورٌ لا تنهض الأمم إلا بها، ولا تجتاز العقبات والكبوات إلا بتوافرها.
والله تبارك وتعالى يبارك مَن يستخدم قوته وشبابه لنصرة الحق وتدعيم بنيانه، ومواجهة الباطل وتقويض أركانه؛ فوصف فئةً منهم بأنهم (... فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)) (الكهف).
وبيَّن سبحانه أن الذين ناصروا موسى النبى عليه السلام ضد فرعون الطاغية هم الشباب؛ على حين خاف الشيوخ وجبُنوا.. (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83)) (يونس)، وأمر نبيَّه الشاب يحيى (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)) (مريم).
فالشباب هم الذين ناصروا دعوات الحق في كل أطوارها ومراحلها، هكذا كان أصحاب موسى وحواري عيسى وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جُلُّ أصحابه من الشباب الفتي (أمثال: علي بن أبي طالب ومصعب بن عمير وأسامة بن زيد وعمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وغيرهم)، وكذلك كان قادة النصر وجنوده البواسل في المعارك الفاصلة في حطين وعين جالوت، وغيرها من الشباب القويّ الجادّ التقيّ المجاهد المحتسب.
وفي نهضتنا الإسلامية المعارضة بدأ قائد دعوتنا الإمام البنا حركته المباركة وهو في الثانية والعشرين من عمره، واستُشهد في سن الثالثة والأربعين، في إحدى وعشرين سنة فقط، هي عمر الشباب الناضر، نشر دعوة الحق، وأضاء بها العالمين، وحرَّك الجموع الهادرة بمنهج القرآن الساطع وسنة النبي الكريم، وأسَّس حركةً إسلاميةً عالميةً هي أمل المسلمين في كل بقاع الأرض الآن.
ولقد اعتمد القائد المربي على الشباب في كل مراحل الدعوة، وأنشأ لهم نظامًا يستوعب طاقتهم، ويفجِّر مواهبهم، وينمِّي قدراتهم، ويربط قلوبهم بالعليِّ الأعلى، ويضبط أخلاقهم، وينظِّم سلوكهم، ويجعلهم قوةً إيجابيةً بناءةً؛ تحفظ للأمة استقلالها وتدعم بنيانها وتجاهد أعداءها وتوحِّد قواها.
وجعل أساس نجاح الدعوة بناء الفرد الصالح (شابًّا أو فتاةً)، ووضع لذلك صفاتٍ أساسيةً؛ لا بد أن تتوفر وتُستكمل وتُصقل؛ فطلب من كل شاب أن يكون "قويَّ الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شئونه، نافعًا لغيره"، فكل من كان لديه نقص في أي جانب من هذه الجوانب عليه أن يستكملها، ولكي يكون المنهج عمليًّا في أرض الواقع ضمَّ الشباب في (أُسَر)، وصفَّ الأسر في "كتائب"، وأقام "الشُّعَب"، ونظَّم المعسكرات والمخيمات، وأقام النوادي الرياضية، وأنشأ الجمعيات الخيرية والمدارس والمستوصفات والمؤسسات الاقتصادية، ودفع الشباب إلى العلم والعمل والمشاريع النافعة والثقافة الواسعة، وندبهم إلى تكوين البيت المسلم وإرشاد المجتمع، ونشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمبادرة إلى فعل الخير في كل مجالات الحياة؛ حتى وصل بهم إلى الدفاع عن الأمة والجهاد في سبيل الله؛ لطرد المحتل من ضفاف القناة ومقاومة الغاصبين في أرض فلسطين.
ما أحوجنا اليوم وقد تكالبت علينا الأمم، ورمانا الأعداء عن قوسٍ واحدةٍ، أن نحشد طاقات الشباب، وأن نلبي أشواقها، وننمِّي قدراتها؛ بتقوية العقيدة، وغرس الإيمان، وتقويم الأخلاق، وتقوية الأبدان، وتفجير المواهب، وفتح مجالات العمل النافع المثمر؛ لإنقاذ الأمة، وإحياء مواتها، وتنمية مواردها، وتنشيط كل مظاهر الحياة.
لا بد من قيادة واعية، تقود الشباب وترشده، وتحفظ قواه، وتفتح له مجالات العلم والتدريب، والثقافة الواعية، والعمل والاحتراف، والإبداع والابتكار، وهذا واجب الدولة بكل إمكاناتها إن قصرت في أدائه؛ فقد أهدرت طاقات الأمة وضيَّعت الحاضر وهدَّدت المستقبل.
وعلى كل شاب أن يشعر بقيمة الوقت والمرحلة التي يعيش فيها، فيستكمل كل جوانب النقص، وينمي قدراته، وأن يكثر العمل الصالح؛ في صفٍّ مؤمنٍ، وجماعة منظمة، وعمل جماعي، وفكر إبداعي، لا وقت للإجازة والراحة والدعة والخمول، وإنما العمل المثمر والجهد الجادّ المخلص والتدريب المستمر واكتساب المهارات وتحصيل الثقافات، ولا بأس مع ذلك من بعض الراحة والترفيه البريء، والترويح عن النفس لاستئناف العمل بعد ذلك في همة ونشاط.
* علينا بالتبكير في اليقظة والمنام، نبدأ يومنا بصلاة الفجر جماعةً في المسجد، فنشهد انفلاق الصبح، وبزوغ الفجر، ونستنشق نسيم البكورة ?وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)? (التكوير)، ونقطع النهار في عمل نافع؛ وفق خطة ومنهج، ونحفظ أنفسنا وصحتنا من الملاهي والعبث والمنكرات، وننام مبكرين لنستيقظ في السحر لنستمدَّ القوة من رب الأرض والسماوات، ونكون مثل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذين كانوا "رهبان الليل وفرسان النهار".
* علينا بحفظ كتاب الله ومدارسته، وأن نجعل ذلك "مشروعًا للصيف"، وكذلك دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته والتفقه في الدين؛ فهذه رسالتنا لهداية البشرية وإنقاذ العالم "من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين".
* علينا بالصحبة الصالحة المؤمنة؛ المُعِينة على الخير، والبعد التام عن البطالين من أصحاب الأخلاق المنحرفة والذين يهدرون أعمارهم على المقاهي وفي أماكن العبث والمجون، بل علينا دعوة هؤلاء إلى منهجنا الصحيح لإنقاذ أعمارهم وأخلاقهم وطاقاتهم من الضياع والانهيار.
* علينا الاهتمام بقوة البدن بممارسة الرياضة البدنية المفيدة.. "فالمؤمن القوى خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف".. "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل".. (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) (الأنفال: من الآية 60)، "ألا إن القوة الرمي".
* علينا الاهتمام بالنظافة؛ فذلك أخص ما أوصانا به الإسلام.. النظافة في المظهر والمخبر.. النظافة في القلب واللسان.. النظافة في المأكل والمشرب.. النظافة في المكان الخاص والعام؛ حتى نكون شامة بين الأمم (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: من الآية 222).
* علينا بتعليم الحرف اليدوية والصناعات الصغيرة، واكتساب المهارات؛ كي ننهض باقتصادنا، ونأكل من عمل أيدينا.. "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده".. "إن الله يحب المؤمن المحترف".. "هذه يد يحبها الله ورسوله".. "اليد العليا خير من اليد السفلى".
* علينا باستكمال العلم وارتياد مجالاته؛ فإن ما يُدرَس في مناهج التعليم لا ينهض بأمة ولا يرقى بحضارة، وعلينا أن ندرك أن طلب العلم في ديننا فريضة تُرضي ربنا وتنهض بأمتنا وتقيل عثرتنا (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه: من الآية 114)، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين: من الآية 26).
* علينا الاطلاع على ثقافات العالم لمعرفة العصر الذي نعيش فيه، فنأخذ من الصالح وننبذ الطالح "فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها"، ونحن نعيش في عالم مفتوح؛ من واجبنا ورسالتنا دعوته كله إلى منهج الله وشريعته في الحياة.
هناك واجبات فردية؛ ابدأ بنفسك بها، وهناك واجبات على الدولة وأولي الأمر؛ ندعوهم للقيام بها، والنهوض بأعبائها، فإن لم نجد استجابةً فعلينا الاعتماد على أنفسنا؛ فنحن جزءٌ من الحاضر، لكننا كل المستقبل.
أيها الشباب الذكي الفتي تذكَّر نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز"، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: من الآية 35).
والله أكبر ولله الحمد، والحمد لله رب العالمين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق