المرشد العام في حديث الساعة
- نجهِّز لتحالف وطني يضم كل ألوان الطيف السياسي بمصر
- ما يحدث للإخوان حرب تكسير عظام من النظام ولكنها تُفيدنا
- من يتحدَّث عن انشقاقات في صفوفنا عليه أن يأتيَ بالدليل
- نشفق على شعبنا من أن يتحمَّل مصائب بطش النظام
- زيارتي لحزب الوفد اعتذار منا عن خطأ غير مقصود
- أرفض توريث "جمال" ولا يعنيني القادم في غياب الديمقراطية
- الاستبداد لن يمنع حركة الإخوان بين أسرهم وفي المجتمع
- لسنا معصومين وبابنا مفتوح لمن ينتقدنا و نشرح له مواقفنا
- طلبت من إخوان العراق دراسة الاتفاقية الأمنية رغم قلقي منها
- نتعلَّم من أسْر (الشاطر) وإخوانه إيثار الوطن على مصالحنا
أجرى الحوار- عبد الجليل الشرنوبي
"تمرُّ الحياة السياسية المصرية بحالةٍ من حالات الأزمة أو الاحتقان، وأصبحت كل الأطراف فيها عاجزةً عن إخراج أجندة واحدة تتوحَّد عليها كل القوى، والإخوان المسلمون في قلب الشارع المصري والعربي، وهم طرفٌ في حالة الصراع السياسي، ومما لا شك فيه أن هناك الكثير من التساؤلات التي تدور حول قدرة القوى السياسية المصرية على صناعة أجندة واحدة تتوحَّد عليها كل القوى".
بهذه الكلمات بدأتُ مع فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين.. حديثا سوف يستمر بإذن الله ويمتد ليفتح بغير حدود كافةَ الملفات المثارة، وما يستجدُّ على خريطة أمتنا العربية والإسلامية عامةً والخريطة المصرية خاصةً.
ما يسعى (إخوان أون لاين) إليه هو إحداث حالة كشف دائمة ومتواصلة للرأي العام لمواقف الإخوان المسلمين؛ سعيًا إلى أن يقف الناس على حقيقة هذه المواقف من رأس الجماعة ورمزها.. مرشدها العام.
والحقيقة أن حديثا مع رجلٍ بتاريخ الأستاذ محمد مهدي عاكف يُغري أي صحفي بفتح العديد من ملفات الحاضر والمستقبل والماضي أيضًا؛ لا لشيء إلا لأنك تجد نفسك أمام تاريخ يجسِّده رجلٌ رسمته علاقاتٌ واسعةٌ؛ بدأت في صحبة الإمام الشهيد حسن البنا ورموز عصره من شامات الحركة الوطنية والسياسية والفكرية المصرية، وامتدَّت لتشمل رجالات ثورة يوليو، ثم قست لتحفر معتقلاتُها على مدار عشرين عامًا علاماتِها في ذاكرته وبدنه؛ غير أنها أكسبته طاقة انطلاق جعلت رحابة العالم تضيق بخطواته التي تسارعت لتجوب بلدان الدنيا، مُؤْذنةً بانطلاق دعوة لا تسعها جغرافيا ولا تحدها قوانين القمع والاستثناء.
في بداية حواره مع (إخوان أون لاين) أكد المرشد العام للإخوان المسلمين أنه- رغم الواقع البادي مؤلمًا وربما مظلمًا- متفائلٌ؛ لا لشيء إلا لإيمانه بطبيعة التدافع الحادث بين حقِّ الشعوب في الحياة ورغبة الاستبداد في الاستئثار بالحياة كل الحياة، غير أن هذا لم يحُلْ دون أن يصف المرشد العام ما تعرَّض له الإخوانُ منذ الانتخابات البرلمانية عام 2005م حتى اليوم بأنه حالة "تكسير عظام" من قِبَل السلطة، وهي التي أفرزت حالةً من الفرز والتثبُّت من قدرة الإخوان على التحمُّل في سبيل هذا الوطن، داعيًا الإخوان بكافة طوائفهم وألوانهم إلى العمل وَفق ضوابط الجماعة ومنهجها الرافض للعنف بكل أشكاله؛ مهما بلغ حجم تجبُّر النظام وجبروته.
وعلى صعيد الإصلاح السياسي أكد الأستاذ عاكف أن الإخوان مصرُّون على أن تتوحَّد كافة ألوان الفعل السياسي الوطني على أجندة توافقية؛ تحمل الحد الأدنى من أسس الإصلاح المرجوِّ، مؤكدًا أن مشروعًا يدرسه الإخوان حاليًّا لإعادة إحياء التحالف الوطني من أجل الإصلاح، يضمُّ كافةَ التيارات المصرية، والإخوان سيكونون فيه عضوًا مشاركًا لا رأسًا مستأثرًا.
رافضًا في ذات الوقت كل ما يُثار عن صفقات انتخابية بين الإخوان وغيرهم من الأحزاب، خاصةً في ظل زيارته الأخيرة لحزب الوفد؛ التي قال عنها: "لمكانة حزب الوفد عندي، على الأقل أنا، وبقية الأحزاب، وكان مقررًا أن يقوم بالزيارة بعض الإخوة أعضاء البرلمان أو أعضاء مكتب الإرشاد، وكان هناك خطأ في موعد زيارة الإخوان لحزب الوفد؛ فأحببتُ بنفسي أن أصحِّح هذا الخطأ وأعتذر عنه".
كما رفض المرشد العام كلَّ ما يتردَّد عن صفقاتٍ مع النظام بخصوص التوريث، مؤكدًا رفضه القاطع للتوريث الذي أعلنه مرارًا، خاصةً بعد أن تولَّى جمال نجل الرئيس مبارك لجنة السياسات.
الحوار مع الأستاذ محمد مهدي عاكف كان أوسع من أن يتم إجماله أو اقتضابه؛ حيث شمل قضايا الانشقاقات التي يردِّد البعض حدوثها في الجماعة، كما تطرَّق إلى قضية دعم مكتب الإرشاد بأعضاء جدد، وعلاقة الإخوان بالوساطة المصرية الفلسطينية، والاتفاقية الأمنية العراقية، وقدرة الإخوان على الاعتراف بأخطائهم، ودور المؤسسات داخل الجماعة، ومدى تأثير الحرب الإعلامية المنظَّمة في الجماعة.
ووعدًا بأن يكون هذا الحوار نقطة البداية لحوارات أكثر صراحةً وانفتاحًا، يضع (إخوان أون لاين) بين يدَي زوَّاره نصَّ الحديث دونما تدخُّل، كما يُحيلهم إلى أصل الحديث بالصوت والصورة؛ سعيًا إلى ترسيخ قاعدة "اسمعوا منَّا لا عنَّا".
نص الحوار
* فضيلة المرشد، بدايةً.. هل أنت متفائل؟
** متفائل جدًّا.
* متفائل رغم حالات الاعتقال والتعذيب والانسداد السياسي الحاصل والاستكبار القائم؟!
** نعم.. ورغم الجهل الذي خيَّم على النظام وأهله.
* وما الذي يدعوك إلى هذا التفاؤل؟
** أولاً.. وعد الله عز وجل أنه ناصر المؤمنين والمجاهدين والعاملين، وهو قد أمرنا بالعمل الجادِّ واليقظة والهمة لمحاربة كل أنواع الفساد وكل أنواع الإحباط؛ فالمؤمن مرفوع الرأس بعزة الله عز وجل وبما يحمل من قيم ومبادئ هذا الدين العظيم؛ فمن يحمله يشعر بالعظمة والقوة والأمل والمستقبل، هذا الدين العظيم الذي يضع كل الأمور في نصابها، ويُحِقُّ الحق ويُبطِل الباطل، هذا الدين العظيم الذي ملأ الدنيا بالخير، وحثَّ أصحابه وأتباعه على أن يلتزموا بسلامة العقيدة وصحة العبادة، كما أمرهم بأن يقوموا بأداء واجبهم لخدمة أوطانهم وخدمة دعوتهم وخدمة إسلامهم.
كل هذه الواجبات الضخمة التي كلَّفنا الله عز وجل بها؛ نسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا ويقوِّيَ ظهورنا عليها.
إنني أعجب من أي مؤمن يؤمن بهذا الدين وبهذه الجماعة، ثم يسير منكسرًا أو مطأطِئَ الرأس بسبب الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية التي نعيشها، لا.. فالدنيا عند المسلم عبارة عن ممر، ولا قيمة لها، وهو مطالَب بأداء الواجب لخدمة هذا الدين وهذا الوطن وهذه الإنسانية.
إنني أعجب أيضًا من هذه العقول التي تقود الأمة وتحرم الأمة من هذا الخير العظيم الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به، والذي حمله أتباع هذا الدين لخدمة الإنسانية والوطن والشعب في كل مجالات الحياة الثقافية والتربوية والاقتصادية والرياضية.. إلخ، هذا الجيل العظيم الذي ربَّاه هذا الدين، بفكر حسن البنا ومنهجه، كيف يحرمون الشعب من هذا الخير؟!
وعلى أي الأحوال فمن ذاق حلاوة الإيمان وحلاوة هذا المنهج عليه عبء ثقيل، وأنا أعلم في مثل هذه الظروف أنه لا يستطيع أن يحملها إلا أولو العزم من الرجال والنساء.
تكسير العظام
* دعني أتحدث بلسان الشارع الإخواني.. فمنذ انتخابات 2005 وفوز الإخوان بـ88 نائبًا في البرلمان شعر بحالةٍ من حالات الزهو أو الانتصار، وحدثت حالة تسارع في مشروع الإصلاح، ثم بعد ذلك هبط المنحنى تمامًا، وكان ما كان في انتخابات الشورى والمحليات، وما كان بالمحكمة العسكرية.. كل هذه العوامل لا بد وأنها أثَّرت سلبًا، بالإضافة إلى عامل رئيسي آخر، وهو الحالة الإعلامية الراهنة التي لا شغل لها كل يوم إلا انشقاقات جديدة في جماعة الإخوان المسلمين..
** (فضيلة الأستاذ مقاطعًا): لا.. نتحدث أولاً عن الجزء الأول من سؤالك، ثم بعدها نُفرد الحديث عن الانشقاقات؛ لأن هذه الانشقاقات تحتاج إلى إثبات، فلنتحدث فيها وحدها، أما الموضوع الذي ذكرته عن حالة الزهو بعد 2005 فهذا موضوع نتحدث فيه.
أولاً.. الإخوان حينما حصلوا على هذه النتيجة اعتبرتُها نتيجة متواضعة جدًّا؛ لأننا لم نرشح سوى 150 أو 160 فقط من جملة ما يزيد عن 450 عضوًا؛ فهذه النتيجة بالنسبة للعموم لا شيء، ولكنها مع ذلك أزعجت الظالمين والضالِّين والمُفسدين؛ لأنهم يريدون أن يظلوا في هذا الموقع؛ يأمرون فيُطاعون، ولكنهم وجدوا أن هناك روحًا جديدةً تسري في هذه الأمة، تدعو إلى الله، وتدعو إلى الخُلُق وإلى العدل وإلى الحرية وإلى تداول السلطة، وهم لا يريدون هذا، فبدءوا يبعثون إلينا برسائل تكسير العظام.
وجاءتني هذه الرسالة بالفعل من رجلٍ أظنه صادقًا، وفعلاً بدأ تكسير العظام بتغيير مواد الدستور لمصلحة الاستبداد ومصلحة الظلم، وكأنهم يقنِّنون الاستبداد والظلم، ثم بعد ذلك استمرَّ تكسير العظام بالمحكمة العسكرية وبمصادرة أموال الناس ومحاربتهم في أرزاقهم، هذا شيء عجيب!.
ولكن هل فَتَّ ذلك في عضد الإخوان؟ أقول بأعلى صوتي: لا؛ بل كان مجالاً للتثبيت ومجالاً للفرز؛ فما جاءني إلا كل خير عن الإخوان في كل المناطق في الداخل والخارج.. ولله الحمد، وكل مؤسسات الدولة الداخلية من حقوق الإنسان والمجتمع المدني والخارجية أيضًا شجبت هذا الأسلوب ورفضته.. ولله الحمد.
إنني أعجب من قوم لا يستحيون؛ فأموال الإخوان التي لم تبلغ 20 أو 24 مليونًا لأكثر من متَّهم دفعها رجل واحد منهم "شَبْكة" لامرأة، إنهم بالفعل لا يستحيون.. إن الذي يقبض على شيخ ويتهمه بتصنيع طائرة لا يستحيي.. الذي يقبض على الناس ويضعهم في السجون لا يستحيي.
نحن كإخوان مسلمين أصحاب عقول وأصحاب منطق وأصحاب قلوب وأصحاب أخلاق؛ لا يهمنا ما أصابنا، ولكن يهمنا هذا الشعب، وكيف نقدِّم له الخير وكيف نأخذ بيده إلى الخير، ولكنهم يحُولون بيننا وبين الخير الذي نحمله لهذا الشعب.
في 2004 كنتُ قد أعلنتُ المبادرة الخاصة بالإصلاح، وفي 2005م بدأنا نفعل ما تفضَّلتَ أنت بذكره؛ من جمع الشمل، وجمع الأمة بكل أشكالها وأطيافها وأحزابها ومؤسساتها، وجمعناهم بالفعل فيما يسمَّى بالتحالف، والإخوان كانوا نموذجًا، وأنا أتحدى أيًّا ممن كانوا في التحالف أن يقول غير هذا.. نموذجًا في أخذ الرأي من جميع الفئات، حتى وصلنا إلى الأمانة العامة للتحالف، وكان عددها 36، ويعلن الإخوان أنهم لن- وهم الذين يقومون بكل شيء- يأخذوا إلا 9 أماكن فقط من الـ36، ونعطي الفرصة كل التيارات وكل الفعاليات لتكون ممثلةً، ومع ذلك لا أدري هل الحكومة هي التي أجهضتها أم غيرها؟ ولكنها في النهاية انفضَّت.
ثم جاءت بعدها الجبهة الوطنية التي أنشأها الدكتور عزيز صدقي، وقلنا إننا معه، وكان الرجل حتى آخر لحظة- رحمه الله رحمةً واسعةً- يقول: ليس هناك في مصر إلا أنتم، ومع ذلك قلت له: نحن معك، ونريد أن نجمع كل الشمل؛ وذلك حتى توفَّاه الله، وجاءوا بعده فلم يستطيعوا أن يختاروا أحدًا مكانه.
حتى اليوم حينما أدعو إلى أي تجمع لأي سبب فإنني أجد كل الحاضرين من المفكِّرين ورجال الأحزاب يقولون قولةً واحدةً: نرجو من الإخوان أن يقودوا حملةً أخرى لجمع الشمل، ونحن على استعداد ونعدُّ لها الآن إن شاء الله تعالى.
تجاوز العثرات
* قبل أن ننتقل إلى مشروع توحيد الصف أمام الحالة القائمة من 2005م إلى اليوم.. كيف يستطيع الشاب الإخواني تجاوز هذه العثرات؟ وكيف يستطيع أن يتجاوز حالة الإحباط التي تسعى الحكومة وأنظمتها أو قوانينها أو تقييداتها إلى أن تفرضها على أعضاء الجماعة؟
** الإخوان المسلمون أعضاء في الشارع المصري، ومنهم الطالب والعامل والموظف والتاجر وغيرهم، وكل فئة من هذه الفئات للإخوان المسلمين فيها توجيهٌ، وتوجيهُ الإخوان دائمًا يدعو إلى أن يؤديَ كل واحد واجبَه كفردٍ نحو نفسه أولاً، وينظر أين هو من هذه المنظومة؛ لذلك فالإخوان لا يطالبون الأفراد إلا بما هو ممكن الآن، حين نقول: إن الإخوان المسلمين تعمل للفرد والأسرة والمجتمع وهكذا فإننا ننظر إلى الفرد، وتركيزُنا اليوم على نموذج للإنسان المصري أيًّا كان، وهذا ما ندعو أبناءنا إليه، ونحاول أن نربِّيَهم على هذا: كيف يكون صاحب همَّة، وصاحب رسالة، وصاحب منطق، وصاحب عقل، وصاحب ثقافة، وصاحب عقيدة سليمة وعبادة صحيحة، وهذه مهمتنا لإخواننا، وهذا لا يعلمه أحدٌ إلا صاحب الأمر.
وأنا حين أجسّ نبض الإخوان أجدهم- ولله الحمد- على هذا المستوى؛ حريصين كل الحرص على أن يكونوا أقوياء، ذوي خلق متين، لهم ثقافة واسعة وعقيدة سليمة، وهذا هو الأساس الأول، وإن لم يبدأ بنفسه فلا محالة أنه لا إصلاح.
* فضيلتكم تقصدون أن يتحقَّق المعنى الذي دعا إليه الإمام البنا بإقامة دولة الإسلام في نفسه ويتحرك بها؟
** بالطبع ابتداءً، ثم بعد ذلك ينتقل إلى أسرته، وأظن أنه مهما تدخَّل الأمن ومهما تدخَّل النظام الفاسد لا سلطان له على هذا الأمر، وكلما نمَت هذه الروح في أبنائنا واعتزُّوا بما هم فيه فإن كل نظام يحاربهم يفشل.
أما الأفعال الجماعية التي يجب أن تكون؛ فهذه لها ظروفها، ولها حساباتها.. اتحادات طلاب، أو انتخابات محليات أو شورى، فرأي الإخوان واضح، وأعتقد أن ذلك مثل ما حدث في المحليات وما حدث في الشورى وما حدث في انتخابات الطلاب؛ فإنني أريد واحدًا فقط ولو كان من الحزب الوطني أو حتى من لجنة السياسات يقرُّ هذا أو يقول إن هذا صحيح، لا أعتقد؛ فهذا أسلوب مرفوض بكل المقاييس، ومواجهته تكون برفضه؛ لأننا لا نملك سوى الكلمة والرفض؛ فلا أستطيع أن أقاومه بالقوة؛ لأن هذا في منهجنا مرفوض، وليس في خطَّتنا أو منهجنا، ولكن اعترافي بأن هذا خطأ واعتزازي أنني على صواب، هذه روح عالية جدًّا، ومنطق لا يعرفه إلا الأقوياء.
الإخوان معصومون
* هذا على مستوى البناء.. على مستوى مواجهة الإعلام وحالة الحرب الإعلامية والكلامية التي تثار حول الإخوان بين الحين والآخر.
** أقول لك: إن الإعلام ينقسم إلى صنفين: صنف مأجور، وهذا نعرفه، ولا نرد عليه، ونصيحتي للإخوان ألا يقرءوه ولا يهتموا به، وهذه نقطة مهمة جدًّا.. إنني لا آخذ رؤيتي عن الإخوان من هذه الصحافة، إن رؤيتي عن الإخوان لا بد أن تكون من واقع الإخوان، إن كنت أعيش في الإخوان فإن واقع الإخوان هو الذي يطمئنني أو يعلمني ويفقهني، أما هذه الصحافة المنحرفة فلا، وبالأمس إحدى الصحف قالت: إن الإخوان سيبدءون في اغتيال المرشد العام، وهذا كلام فيه سفاهة، وهذا الصنف أنا لا أقرأ له ولا أردّ على أحد منهم.
وهناك صحافة تدَّعي أنها تقول ما لها وما عليها، وهؤلاء الناس أنا أحترمهم؛ فإن كانوا صادقين فأنا أرحِّب بهذا، بل بالعكس، فكثيرًا ما أرفع السماعة وأتحدث مع هؤلاء، وإذا كانوا يريدون بحديثهم هذا التشكيك أو غيره فإن الواقع والمستقبل سيُثبت لهم أن الإخوان جماعة راسخة بمنهجها ورجالها وبصدقها مع الله وبصدقها مع هذا الشعب، وهذا يحتاج إلى وقتٍ لإثباته.
وهناك صنف له صوت وله مصداقية، ولكن للأسف الشديد لا أدري من أين تأتي أجندته؛ يتكلم عن الإخوان ثم بعد هذا يقول إنني لست معهم وأختلف معهم في أمور كثيرة.. هو يعرف أين الحق، ويعرف أين الصواب، وقليل من هؤلاء الذي يعلن رأيه بقوة وموجود.. موجود في الشعب المصري؛ رجالاً وأساتذةً وفقهاءَ وعلماءَ، يقولون ما عندهم بصدق وأمانة، وهؤلاء لهم تقدير خاص عندي، ولا يقوى على هذا- كما قلت لك- إلا ذوو العزم من الرجال والنساء.
لست معصومًا
* هل يعني ذلك أن الإخوان معصومون من الأخطاء في التنظيم؟!
** لا.. ففي أحيان كثيرة صوتي يرتفع، وأستمع وأسمع من الإخوان من ينتقدني وأرحِّب بهذا، ولكن كل ما أرجوه ممن ينتقدني أن يأتيَ ليعرف الحقيقة والظروف التي يتم فيها هذا التصرف؛ لأنه في أحيان كثيرة جدًّا الإخوان ينتقدون لأنهم غير محيطين بكل ظروف القضية وكل ظروف الموضوع، وأنا سعيدٌ بهم؛ لأنني أريد منهم أن يُحيطوا علمًا بكل شيء، وهذا لا يأتي بأن ينتقدني من بعيد، لا.. يأتي ويعرف، وأنا أرحِّب بنقده.
أنا لا أضيق بأي شخص ينتقدني، وأنا لست معصومًا، أنا رجل أخطئ وأصيب؛ فإن أخطأت فمن نفسي، وأن أصبت فمن الله.
الإخوان يخطئون أخطاء كثيرة، ولكنَّ هناك فرقًا بين أن أخطئ وأعالجها وأنا معتزٌّ بما أنا فيه، ومعتزٌّ بمبدئي وبين أن يشهِّر الإخوان بخطأ من الأخطاء ويعطي قدرًا ليس له، وهذا موجود ويحدث، ولكن- لله الحمد- من يفعل ذلك قلةٌ قليلةٌ لا قيمة لها في صفوف الإخوان المسلمين؛ لأن الإخوان يخطئون والمرشد العام كذلك، وهذا ليس بعيب، بالعكس؛ فأنا أعتبر هذا من قوة الإنسان وعظمته، يبتغي الحق ويسعى إليه بقدر ما يستطيع.
الناس أحيانًا تنسى أن المرشد العام لا يعمل بمفرده؛ فمعه ووراءه هيئاتٌ كثيرة؛ فوراءه مكتب إرشاد ومجلس شورى وأقسام ولجان، وحين أتحدث عن شيء فإني لا أقوله هكذا من نفسي، وإنما أقوله بعد دراسة وبعد حوار مع أهل الاختصاص، وكثير من الأمور لست أنا فاعلها، ولكن الإخوان هم الذين يفعلونها وهم الذين يدرسون وهم الذين يقرُّون، وأنا رمزٌ للإخوان؛ تجتمع كل الأمور عندي؛ ولذلك كان هناك في إحدى المرات سؤال للإخوان: ما هي مهمة أعضاء مكتب الإرشاد؟ فقلت لهم: مثل اختصاصات المرشد العام بالضبط، ثم كان السؤال الثاني: إذن؛ فماذا تفعل أنت؟ قلت له: أنا في النهاية تجتمع عندي كل الأمور.
الإخوان المسلمون أصبحوا جماعة ضخمة جدًّا، ومنتشرة في أنحاء الدنيا، والذي يدَّعي أنه يستطيع قيادتها وحده فهذا واهمٌ، إنما الإخوان المسلمون يعملون طبقًا لنظام دقيق، والذي يسمونه التنظيم، وهذا التنظيم له قيم ومبادئ ولوائح، والعمل يسير انسيابيًّا وطبيعيًّا؛ لأن كل فرد في الإخوان يعرف ما له وما عليه، والذي لا يعرف هو الذي يقوم بعمل المشاكل، لكن كل فرد حين يعلم ما له وما عليه فإنك تجد الأمور منسجمة ومنطلقة و"شغَّالة".
والنفس البشرية تختلف من فرد إلى آخر، وقوة الاحتمال تختلف من فرد إلى آخر؛ فمثلاً في أمن الدولة حين يمسكون فردًا ويهدِّدونه ويكهربونه ويضربونه؛ فمن الناس من ينظر إلى هذه الأمور ويستهزئ بهم وينفر منهم، وآخر "غلبان" لا يتحمَّل هذه الأشياء؛ فهم يستغلونه ويزيدونه ضربًا، وللأسف الشديد فهي أساليب أمنية مرفوضة بكل المقاييس، وأنا أعجب لأنني أعرف منهم أناسًا على مستوى فكري طيب وأفق واسع؛ فكيف يسمحون لأنفسهم وأجهزتهم أن تقوم بهذا الأمر؟! أنا أعجب؛ فهذا انفصام في الشخصية.
الإخوان لا شك أنهم قد وقع عليهم تعذيب شديد واضطهاد أشدّ، وخصوصًا حينما يذهبون- ولا أريد أن أقول: يسرقون- ويدخلون محلاًّ ويأخذون ما فيه.. أليست هذه سرقة؟! حين يغلقون محلاًّ ويحرمونه فمن أين يأكل؟!، هذه مشروعات صغيرة، ومن المفترض أن نكثر منها لأجل أزمة الفقر وأزمة البطالة، بينما هم يحاربونها.
أليس الإخوان المسلمون مصريين؟! ولكننا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا من هذا وأن يأجرنا على ما نحن فيه وأن يصبِّرنا على تحمُّل هذه السفاهات؛ لأنها تنتهي، وكل شيء سينتهي، وكما قلت: إننا نتعامل مع هذا النظام الفاسد المستبدّ المستكبر بحكمة بالغة وصبر جميل؛ لا لشيء إلا مصلحة هذا الوطن ومصلحة هذه الأمة؛ لأن هؤلاء الناس لا يعرفون للإنسان قيمةً، وكما قلنا في مقال أخير: رقم، ليس له قيمة.
فأنا لا يمكن في أية حال من الأحوال أن أعرِّض الشعب المصري لأي اختبار يُظلَم فيه؛ ولذلك نتعامل معهم بهذا الأسلوب؛ نحتمل منهم هذا الصلف وهذا الإجرام في حق مصر وفي حق الإخوان المسلمين وفي حق كل الأحزاب نحتمل ونصبر؛ لأننا متأكدون أن الله سبحانه وتعالى ناصرنا، بيده الأمر من قبل ومن بعد.
إن ما حدث لأمريكا لم يكن أحد يتصوَّره، ولكن هذا الانهيار الكبير جاء نتيجةً لهذا الاستبداد وضياع الخلق والقيم في منهجهم الرأسمالي، ولو كان المنهج الرأسمالي له قيم ومبادئ وخلق فما الذي يجعله ينهار؟! المهم أنهم اليوم يعترفون بهذا؛ فساركوزي اعترف بهذا، وآخر اعترف بهذا.. نظام رأسمالي بلا خلق وبلا قيم ويستبيح كل شيء.
ما حدث في أفغانستان وما حدث في العراق وما يحدث في الصومال والسودان شيء لا يستطيع عقل بشر متزن أن يفهمه أو يقبله، هذه كلها أمور فوق طاقة العقل المستقيم الواعي أن يستوعبها، وأخيرًا كل ما أخشاه أن تركيا بدأت تستعمل الطائرات مثل بوش بالضبط وتضرب الأكراد.. الأكراد هؤلاء أليسوا بشرًا؟! ألا يمكن الجلوس والتفاهم معهم؟! أليسوا مسلمين وأنتم أكراد مسلمون؟! اجلسوا مع بعضكم وتفاهموا، وأنا أذكر البروفيسير أربكان- وقد كنت قريبًا منه وتحدثنا معًا في هذا الموضوع- وكان يضع برنامجًا للتفاهم مع الأكراد بعيدًا عن السلاح وبعيدًا عن الحرب وهذه الأمور. كل هذا ممكن، ونحن نجلس الآن ونقول: تعالوا يا إخواننا نتفاهم وقلوبنا مفتوحة، وننسى ما أصابنا لمصلحة هذا الوطن ومصلحة مستقبله.
* تقول هذا للنظام؟
** نعم للنظام، ولكن ودن من طين وودن من عجين.
صفقة مع النظام
* يفسِّر البعض قولكم هذا للنظام بأنه دعوة إلى إجراء صفقةٍ معه!.
** هذا عبث، وهؤلاء ناس مأجورون، وهم يفكرون في أنهم حين يقولون هذا الكلام عن الصفقة التي سنُجريها مع النظام أنها ستخلخل الإخوان المسلمين، "صفقة إيه؟!" نحن نقول لهم: يا إخواننا.. تعالوا نفكر معًا ونعمل معًا، ونحط على الترابيزة.. أين مصلحة الوطن؟ ليس لنا هوى وليس لنا أغراض وليس لنا مطالب خاصة للتفاهم مع أي أحد، كل ما نطلبه لمصلحة الوطن، وحينما نجلس مع الأحزاب نقول لهم: "الوطن، مصر"، ولا نذكر "سيرة" الإخوان؛ ولذلك حينما جلسنا مع الأحزاب في التسعينيات، وأنا كنت موجودًا ووجدت أن المساحة الضخمة المتفق عليها من حريات وتبادل السلطة وإلغاء قانون الطوارئ، كل ذلك متفق عليه، اترك لي الأيديولوجيا الخاصة بي، والأيديولوجيا الخاصة به؛ كل طرف حر فيها، كل فرد تكون له أجندته كما يريد، ولكن لا بد من احترام هذه المبادئ، وبعدها افعل ما شئت، وقدِّم برنامجك كما شئت.
فنحن مثلاً قد اجتهدنا وكتبنا برنامجًا، وأنا مُستغرِب؛ فقد قلنا إنها قراءة أولى وأحببنا أن نعطيَها ونبعثها إلى كل المفكرين الذين نعتز بهم، وقلت لهم في خطابي: إننا نسعد برأيكم فيه، ولكني وجدت الصحافة في اليوم الثاني تهلِّل حتى في أمورٍ فهموها خطأ، وأمسكت التليفون واتصلت ببعضهم وقلت له: ألم أرسل إليك خطابًا لترد عليَّ فتقوم بالرد عليَّ في الصحافة؟! فقال: لا؛ أنا أعتذر.. كلهم حقيقةً قالوا إنها خطأ.
مشروع التحالف الوطني
* أهلاً بكم أيها الإخوة مرة أخرى.. فضيلة المرشد كنتم تتحدثون عما يمكن أن يقدِّمه الإخوان لمصلحة هذا الوطن، وأنه لا يمكن تفسير ذلك على أنه نوع من أنواع الصفقات، وفضيلتكم في رمضان دعوتم بعض قادة الفكر والسياسة إلى إفطار "على الضيق" كما يقولون؛ وذلك بعد إلغاء الإفطار العام للإخوان، هذا الإفطار- تقريبًا- كل الحضور من رموز القوى السياسية والوطنية والفكرية في مصر أجمعوا على أن هناك أجندة أساسية، هذه الأجندة هناك توافق كامل وتام عليها، فما الذي يمكن أن يفعله الإخوان لتفعيل هذه الأجندة الخاصة بإلغاء حالة الطوارئ وفتح أبواب الحرية في تشكيل الأحزاب وفتح التداول السلمي للسلطة وحرية تكوين وإصدار الصحف.. إلخ، فكيف يمكن أن يفعل الإخوان هذا مع مراعاة أن الكثير من القوى السياسية في مصر تتعامل بحذر شديد جدًّا مع الإخوان المسلمين؟
** نحن جادُّون- إن شاء الله- في إتمام هذا الأمر بالتعاون مع كل القوى الصادقة المؤمنة بهذه الأجندة التي تفضَّلتَ بها، ولكننا كنا في الأيام الماضية في دراسة ما حدث للتحالف؛ ما له وما عليه؛ فلا نريد أن نكرر تجربة لم تُؤْتِ ثمارها، ولكننا مصرُّون على أن نُقيم تحالفًا- وكل الناس تريد أن تسمِّيَه تحالفًا- بين كل القوى السياسية والمجتمع المدني، لنجلس معًا ونضع الأجندة ونضع التصور ونضع الأسلوب الذي يمكن أن نتخذه لنهضة هذه الأمة ولإصلاحها والخروج بها من هذا المأزق الخطير والانسداد الخطير والاستبداد الخطير الذي تعيشه مصر الآن، لا ندري ماذا في المستقبل، ولكن علينا أن نعمل بصرف النظر عن أي شيء، وهذا ما ستظهر نتائجه قريبًا بإذن الله.
* هل هناك رسائل تطمين من الممكن أن تصدر عن الإخوان المسلمين للقوى الوطنية والسياسية حتى يتجاوزوا حالة الحذر والخوف أو القلق من التعامل أو من مد أيديهم للإخوان؟
** أنا ليس عندي ما أقدمه؛ لأن منهجي واضح وسياستي واضحة، والذي يريد أن يلتف حول هذا الكلام فهو حر، أنا لا أجبر أحدًا على شيء، وهذا أمر واضح جدًّا؛ فالأستاذ أو الدكتور من هؤلاء حين يتحدث عن الإخوان وما يجب أن يكون وحقوقهم وهكذا ويذكر جملة: وإن كنت أختلف معهم في فكرهم؛ فهذا نقول له: مرحبًا بك يا سيدي وباختلافك، ولكن العجيب أن مثل هذا الكلام يُردَّد دون منطق أو فَهْم، أدرست منهج الإخوان حتى تقول إنك تختلف مع هذا المنهج؟! أدرست تاريخ الإخوان المسلمين حتى تقول هذا؟!
أنا أرحِّب بكل فرد صاحب منطق وصاحب دراسة، ولا يَأْتِ بكلام الجرائد ويتحدث بها، ومع ذلك فهذا الصنف من الناس بمجرد أن يفكِّر فأنا معه وأمدُّ يدي إليه وأعرف منه النقص "بتاعي" إن كان هناك ثمة نقص.
انظر.. الحمد لله، عندي المقدرة والإخوان المسلمون عندهم المقدرة على أن يستوعبوا كل الناس ويسمعوا منهم ونُسمعهم، ولن نتنازل عن مبادئنا، ولن نتنازل عن مشروعنا؛ فهو ليس مشروعًا هوائيًّا، إنما هو مشروع مرتبط بدين وبشريعة وبتاريخ.
زيارة حزب الوفد
* في المقابل زرت فضيلتكم حزب الوفد في رمضان، وذهب وفد آخر من الإخوان لزيارة حزب التجمع، فهل هذا في إطار مد اليد إلى القوى السياسية للتوحد حول مشروع وطني واضح وواحد؟ أم أنها في إطار الإعداد للانتخابات البرلمانية القادمة في 2010؟
** أولاً: مد يد الإخوان إلى كل القوى أمر لم ينقطع في وقت من الأوقات، أما موضوع زيارتنا لحزب الوفد أو حزب التجمع في رمضان فلم يكن حزب الوفد فقط؛ فقد كانوا 400 حقيبة للذين كنا قد دعوناهم للإفطار، وألغي الإفطار فأرسلت إليهم خطابًا مع بعض الهدايا البسيطة لـ400، "مش لحزب الوفد وحزب التجمع"، ولكن لمكانة حزب الوفد عندي- على الأقل أنا- وبقية الأحزاب فكان من يقوم بالزيارة بعض الإخوة أعضاء البرلمان أو أعضاء مكتب الإرشاد، وكان هناك خطأ في موعد زيارة الإخوان لحزب الوفد فأحببت بنفسي أن أصحِّح هذا الخطأ وأعتذر عنه.
* معنى ذلك أنه لم يكن فضيلتكم المعنيين بالقيام بالزيارة من البداية.
** لا لم أكن أنا؛ فلما عرفت هذا الخطأ أحببت أن أعتذر للدكتور محمود أباظة عن هذا الخطأ وبنفسي، فلم تكن الزيارة شيئًا غير هذا المعنى، فلم يكن هناك ارتباط ولم يكن بالجلسة تفاهم على شيء إلا المبادئ العامة، ولم يكن هناك اتفاق في شيء لا هنا ولا حزب التجمع ولا أي حزب زاروه.
* المسألة لا تعدو كونها نوعًا من العلاقات العامة؟.
** العلاقات العامة والتقدير، نقول لهم: إننا دعوناكم ولم نستطع أن نلتقيَ بكم؛ ولذلك حين جمعت هذه المجموعة القليلة لأنني لم أستطع أن أجمع أكثر من هذا؛ فالمكان لا يأخذ أكثر من هذا، كان هذا هو السبب؛ فأنا لم أستطع اللقاء بكم في اللقاء العام فنلتقي في اللقاء الخاص، وكان خيرًا، كله خير.
لمَّا تم منع اللقاء العام الذي يحضره ألف أو ألفان استبدلتها بلقاءات قليلة، 50 أو 60 واحدًا؛ حتى يكون التواصل الذي كنت أبغيه في اللقاء العام لا نُحرم منهم حتى ولو كان في حدود ضيقة، وكان هذا هو السبب، وكانت نتيجته أعتقد أنها رائعة بالنسبة للإخوان وبالنسبة لغير الإخوان.
خلافة مبارك
* المشروع الوطني للإصلاح لا يتضمن في أجندته أبدًا تواصلاً مع الحكومة للاتفاق على من يتولَّى خلافة الرئيس مبارك.
** حتى الآن لم يتواصل أحد معنا من الحكومة، وهذا ما أستعجبه، ولا قيمة له عندي، يتصلون أو لا يتصلون، يتواصلون أو لا يتواصلون، فأنا مع الشعب، أنا متواصل مع الشعب، وموضوع من يخلف الرئيس هذا أمر لا يهمني كثيرًا؛ لأنني أعرف أن الأجندات الاستبدادية والصراعات الاستبدادية تحل لنا هذا الموضوع دون أي تدخل، أما لو كان وطنًا ينعم بالحرية وينعم بالديمقراطية بحق كنت أستطيع أن أتحدث، إنما حاليًّا لا أستطيع، لا قيمة للكلام، هي أمور تحاك بليل بين مستبدين متصارعين.
أما رأينا العام- والذي أعتقد أنني أتوافق والناس تتوافق معنا فيه- أننا نرفض التوريث، وبالذات للأخ جمال كما قلت في بداية ظهوره، وسألوني فقلت: مواطن من حقه أن يترشح.. "عادي"، والناس تختار، وحين غيروا الدستور "علشان يعملوا مواد متفصلة" عليه أو على أمثاله قلت: لا.. لو أراد أن يترشح فليترك قصر أبيه وينزل مع الشعب ونشوف هيعمل إيه للشعب.
ثم بعد ذلك حين رأس لجنة السياسات؛ هذه اللجنة التي تزيد الاستبداد فوق ما هو عليه، فتنشئ المحاكم العسكرية وما إلى هذا من الظلم الفادح، قلت بالثلاثة: لا يصلح؛ هذا فيه عيب؟! هذا رأينا، ولكن الله سبحانه وتعالى والقدر والتاريخ والواقع- ولن أقول يفاجئنا- سيقول قولته ويحدث ما يحدث، أما القوى الوطنية- وبلا استثناء- ما عدا هذه المجموعة الصغيرة في لجنة السياسات فهي لا تقبل ولن تقبل، وأنا أريد أن أقابل أحدًا من الناس العاديين يقول غير هذا، ويا مرحبًا، ومن حقه أن يقول، إنما إحساسي أنا وحديثي مع القوى السياسية الموجودة على الساحة ترفض هذا.
الوساطة المصرية- الفلسطينية
* الوساطة المصرية- فضيلة المرشد- بين الفصائل الفلسطينية.. كيف تراها؟
** ما كنت أن أحب أن أتحدث فيها الآن وهم على وشك اللقاء، ولنا ملاحظات خطيرة جدًّا على الحكومة المصرية وانحيازها إلى هذا المشروع الصهيوني الذي يقوده بعض- وليس كل- رجال فتح، وتصريحات وزير الخارجية وغيره، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجيَ المخابرات من هذه التصريحات ومن هذا الاتجاه، أمَا وأن أصحاب الأمر كحماس وفتح يرحبون بالأجندة المصرية فلا يجوز لي أن أتحدث في الموضوع، وخصوصًا وأنا لم أعرف الأجندة المصرية، إنما عمومًا أنا أقول وبأعلى صوتي: إن الأمة الفلسطينية والإخوة الفلسطينيين ككل وكل الفصائل يجب أن تكون لهم أجندة واضحة والعمل من أجلها لتحرير أوطانهم، وليسوا هم وحدهم، ولكن كل العالم العربي والإسلامي يكون شريكًا في هذه الأجندة؛ لأن فلسطين ليست ملكَ الفلسطينيين، ولا المسجد الأقصى ملك الفلسطينيين، ولا القدس ملك الفلسطينيين، بل ملك الأمة العربية والإسلامية.
أولاً: على هؤلاء الإخوة الكرام أن يعدُّوا أجندتهم وتكون واضحةً تمام الوضوح لتحرير وطنهم، ثم بعد ذلك يقف معهم كل المخلصين من أبناء هذه الأمة، ولكن ما أراه في الساحة الآن غير هذا- وللأسف الشديد- انقسام شديد.
* لكن فضيلتكم متواصلون هاتفيًّا مع القادة الفلسطينيين.
** كلهم يكلمونني وأكلمهم، وليس الفلسطينيون فقط بل والماليزيون والباكستانيون؛ فأنا متواصل مع كل الناس، والكل أهلاً وسهلاً به، إنما أنا أتحرج من أن أقول رأيي الآن في أي شيء، كنت في الأول أكلم محمود عباس وأكلم هنية وأكلم خالد وأقول لهم: "خدوا بالكم من كذا، اعملوا كذا، تعاونوا مع كذا"، وأنا كنت سعيدًا كل السعادة، وقلت هذا لمحمود عباس: إنني سعيد كل السعادة.. في حكومة الوحدة الوطنية استطاعت أجندتان مختلفتان أن يعملا مع بعض ويتعاونا مع بعضهما، وهذا نموذج رائع من الحرية والديمقراطية؛ نموذج للمقاومة ولا شيء غير المقاومة، ونموذج يقول بالتفاهم والتساهل وما إلى آخره، الاثنان يسيران مع بعضهما، يتعايشان مع بعضهما البعض، نموذج رائع.
أنا أود من إخواننا الفلسطينيين أن تكون لهم أجندة ثابتة للحفاظ على الحقوق الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني وعلى الأجندة الفلسطينية ضد الصهاينة وضد كل من يعاون الصهاينة.
وللأسف الشديد.. كل العرب- وبلا استثناء إلا القليل- مع الأجندة الأمريكية الصهيونية، وإلا ما كان الحصار.
افترض أن أمريكا فرضت حصارًا والصهاينة فرضوا حصارًا وجاءت مصر والأمة العربية قالت: "لا"، كما قال حسني مبارك: "لن أسمح بتجويع الفلسطينيين"، "طيب ما من أول يوم"، ولكنَّ هناك أمورًا خفيةً تُدار، ولا يستحون، أنا أحيانًا أشكر قطر وأميرها حين استضاف في وسط هذا الحصار هنية وخالد مشعل وأعطاهم، ألستَ مثل قطر مثل السعودية كذلك؟!، بلاد لها قدرها ولها مكانتها على الساحة العالمية، فكيف تسمحون لهؤلاء الصهاينة أن يحاصروا إخواننا في فلسطين ويجوعوهم؟!
كما قلت لك: هناك أمور غير منطقية وغير عقلانية، ولكن علينا أن نصبر عليها ونقاومها ونحاربها.
* في آخر اتصال بهنية.. بماذا أوصيته؟
** قلت له هذا الكلام الذي قلته لك، أن نثبت على الحق الذي يحقِّق للفلسطينيين آمالهم ولا نتنازل عن حق من حقوق الفلسطينيين بحال من الأحوال مهما كانت الظروف.
العراق والاتفاقية الأمنية
* وفي العراق.. الاتفاقية الأمنية موقف فضيلتكم منها.
** الاتفاقية خطيرة جدًّا وتكرِّس الاستعمار وتُنهي شيئًا اسمه عراق، ولكني لم أرد أن أقول رأيي فيها وأرسلت إلى إخواني في العراق حتى يقولوا ما هو رأيهم، ورأيهم شيء ورأي الحركة الإسلامية شيء آخر.
أنا لن أتردد كحركة إسلامية أن أقول رأيي، كما قلت رأيي فيما فعله بريمر وما فعله كذا صريحًا، مهما كان الحزب الإسلامي أو الإخوان المسلمين هناك "متقاعسين" أو "خايفين"، هذا شيء.. والحركة الإسلامية العالمية لها رأيها، يأخذون بها أو لا يأخذون هم أحرار، ولكني اليوم متحفظ في إعلان رأي الحركة حتى يأتيَني ما طلبته منهم.
* لكن فضيلتكم توصونهم بألا تكون؟.
** أنا لا أوصي حتى يأتيَني، حين تأتيني نتيجة الدراسات؛ فلعل لديهم أمورًا خافية عليَّ، فحين تأتيني رؤيتهم واضحة- وستأتيني قريبًا إن شاء الله- وأقدر أن أدرس الموضوع دراسة هادئة، وأعلن رأي الحركة الإسلامية بوضوح.
الشاطر وإخوانه
* هل- فضيلة المرشد- دعم مكتب الإرشاد بخمسة جدد جاء لتجاوز الفراغ أو لسد الفراغ الذي أحدثته المحكمة العسكرية؟
** لا أبدًا، وهذا ليس ما نقبله ونرضاه، ونحن نسدد الأمور على حسب الواقع المؤلم المُرِّ الذي نعيشه، نحن لا نقدر على أن نجمع مجلس الشورى، فنتحايل على أن نحقق مصلحة الجماعة ومصلحة الوطن بأقل الخسائر الممكنة، إنما في غير هذا لا؛ فمجلس الشورى ممكن أن يعمل ويختار مكتب شورى جديدًا، والمكتب مدته 4 سنوات، هناك أمور اللائحة حين نطبقها.
* لكن تحُول الظروف الأمنية؟
** نعم هذا صحيح؛ ولذلك أكرمه الله من وَضَع اللائحة قال: في حالة انسداد أو عدم استطاعة تنفيذ اللائحة فمكتب الإرشاد يأخذ كل صلاحيات مجلس الشورى، ولكننا بقدر المستطاع لا نحاول أن نتجاوز مجلس الشورى في كثير من القضايا ونستشيره ونأخذ برأيه.
* لا يمكن في لقاء مع فضيلتكم أن نغفل إرسال رسالة إلى إخواننا وعلى رأسهم المهندس خيرت الشاطر والدكتور محمد علي بشر.
** هؤلاء أحبابي.
* ماذا تقول لهم؟
** اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.. هؤلاء رجال وهذه نماذج سيسطِّر التاريخ قدرهم وقيمتهم وعظمتهم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله في ميزانهم.. هؤلاء الناس الذين صودرت أموالهم وخُرِّبت بيوتهم وهم شامخون بعون الله.
تحيةً إليهم وإلى أهاليهم قبلهم الذين صمدوا أمام هذا الطغيان، وهذا الفساد وهذا الاستكبار وهذا الإجرام، فصمدوا حتى اليوم وهم في سجونهم وفي معتقلاتهم؛ ليس هؤلاء فقط، ليس إخوان المحاكمة العسكرية فقط، ولكن كل الإخوان الذين أصيبوا في أموالهم وفي رزقهم وفي حرياتهم، الإخوان الذين دخلوا السجون وذهبوا إلى المعتقلات واعتُدِيَ عليهم وعُذِّبوا.
تحيةً إليهم جميعًا، وأسأل الله سبحانه أن يجعله في ميزانهم.
يا أخ عبد الجليل.. ما يحدث للإخوان شيء فوق طاقة البشر، والحمد لله رب العالمين.. كل الإخوان…
* صامدون؟
** ليسوا صامدين فقط، بل يُؤْثرون مصلحة الوطن ومصلحة الأمة على أنفسهم، ما أصابنا ليس سهلاً، ومع ذلك تحمَّلناه وصبرنا عليه لمصلحة الأمة؛ لا لمصلحة هؤلاء المستبدين أبدًا؛ لأننا نعلم يقينًا أن هؤلاء إلى نهاية.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق