د. محمد عبد الحليم الأستاذ الدرعمى فى حوار مع المصرى اليوم



قبل ٤٧ عاماً وبالتحديد فى ١٩٦١ حصل محمد عبد الوهاب محمد عبد الحليم الشهير بـ«محمد عبد الحليم» خريج دار العلوم على منحة للسفر إلى بريطانيا لدراسة الأدب فى جامعة كمبريدج.. يومها لم يكن هذا «الدرعمى» يعرف الإنجليزية..
واليوم تمنحه الملكة اليزابيث الثانية وسام الإمبراطورية البريطانية، وهو أعلى وسام فى بريطانيا لجهوده العلمية فى التقريب بين الثقافتين العربية والإنجليزية ولإنتاجه العلمى المتميز. والمهم فى مسيرة عبد الحليم أنه صاحب أحدث وأفضل ترجمة للقرآن الكريم على الإطلاق باعتراف الأوساط الإسلامية والبريطانية والدوائر العلمية المتخصصة..
عبد الحليم تم تكريمه على جهده الإسلامى الرفيع فى عواصم عديدة كان آخرها فى العاصمة الأردنية لكنه غير معروف فى مصر، كما يقول إلا لعدد من الأزهريين والأصدقاء فى «دار العلوم» وبلدته «الأسدية» بمحافظة الشرقية. يقول عبدالحليم أنا مستعد لقبول أى تكريم فى مصر.. أنا لم أشارك سوى فى مؤتمر إسلامى واحد فى القاهرة.. ولم تتكرر الدعوة بعدها «ربما لأنى جرىء ومباشر فى ألفاظى».
الجائزة، كما نعرف ويؤكد عبد الحليم يتسلمها العشرات من المبدعين البريطانيين مرتين فى العام، الأولى فى عيد ميلاد الملكة والثانية فى بداية العام الميلادى..
وسبق أن حصل عليها الكاتب البريطانى من أصل هندى سلمان رشدى بعد الهجوم عليه والتهديد بقتله فى أعقاب صدور رواية «آيات شيطانية» يقول عبد الحليم «لا يأبى الكرامة إلا لئيم» ورفض الجائزة يشبه دعوتك لخروج العرب من الأمم المتحدة بسبب عضوية إسرائيل بها.. وبدأ حوارنا مع «البروفيسيور» المصرى محمد عبد الحليم عن استعداده لتسلم الوسام.. ثم امتد لمجالات أخرى أبرزها ترجمته للقرآن الكريم.. فإلى نص الحوار.
* كيف جهزت نفسك لهذه المناسبة... وهل ستلقى كلمة خلال الاحتفال؟
- لا توجد كلمات خلال الحفل. ولكن سأتسلم الوسام الإمبراطورى مع آخرين، لا أعرف عددهم بالتحديد، ولكنهم علماء ومبدعون من كل التخصصات، وتحرص الملكة على منح هذا الوسام مرتين فى العام، الأولى فى رأس السنة الميلادية والثانية فى عيد ميلادها.. ولهذه الاحتفالية بروتوكول معين أراجع تفاصيله الآن، ولكن الأهم عندى أن هذا الوسام جاء نتيجة لترشيح جهات ومؤسسات جامعية مستقلة.. احترمتها الملكة ومستشاروها والذين قرروا منحى هذا الوسام.
* هل ستحصل على لقب معين بعد هذا الوسام؟
- نعم سأحصل على لقب وترجمته قريبة من مصطلح «ضابط» ولكنه ليس بالمعنى الأمنى فى مصر.. لكن اللافت فى نظرى أن هذا اليوم، ٢٦ نوفمبر، عجيب فى حياتى، ففيه غادرت إلى بريطانيا عام ١٩٦١، وفيه أيضا ولد أول أبنائى من الذكور.. واليوم الأربعاء تكرمنى الملكة بأرفع الأوسمة العلمية فى بريطانيا وهو نفس اليوم.
* وكيف تفسر هذه المصادفة؟
- هى تقدير من الله سبحانه وتعالى، وأذكر أننى عندما دخلت المعهد الدينى فى الزقازيق، وكانت مصر لا تزال محتلة من بريطانيا، حدثت مظاهرات واضرابات، وكنا نمشى فيها.. وكانت شعارات البعض: مصر والسودان لنا.. وبريطانيا إن أمكننا، والآن أقول وأنا فى لندن: مصر وبريطانيا لنا.. والسودان إن أمكننا.
كنت فى حينها طالباً أزهرياً أتظاهر ضد الإنجليز، والآن ينعم على الله بوسام الإمبراطورية.. وللمفارقة، فعندما حدثت مظاهرات الطلاب كنت أزهرياً معمماً.. واليوم وأنا ذاهب لتكريمى أرتدى قبعة تشبه العمة الأزهرية الى حد كبير.
* قرأت أن نفس الجائزة التى ستحصل عليها من الملكة.. سبق أن منحتها إلى الكاتب البريطانى من أصل هندى سلمان رشدى الذى استفز العالم الإسلامى بروايته «آيات شيطانية» قبل سنوات؟
- نعم هى نفس الجائزة، ولكن التوصيف العلمى مختلف، فرشدى أديب بريطانى له روايات، قبل «آيات شيطانية»، وهى مقروءة إلى حد ما. وأنا أرفض المقارنة فى هذا المجال، فالتعليق السلبى على هذه الجائزة أو القول بأن سلمان رشدى حصل عليها من قبل لا يعيبها ولا يمس الحاصل عليها، وأنا أقول لك: هل وجود إسرائيل فى الأمم المتحدة، وغالبية العرب والمسلمين لها رافضون، يستلزم خروج العرب من هذه المنظمة الدولية. والحكمة العربية تقول «لا يأبى الكرامة إلا لئيم».. وأنا رشحتنى جهات علمية وأكاديمية رفيعة وكان حجتهم فى ذلك أننى قمت بجهود كبيرة فى خدمة الثقافة والأدب العربى.. وفى تفاهم الأديان.
* أنت تعيش فى بريطانيا لسنوات طويلة تجاوزت الأربعة عقود.. ما هى إنجازاتك التى تعتز بها خلال هذه المسيرة؟
- فى منتصف الستينيات بدأت عملى بالتدريس فى كلية الدراسات الشرقية بجامعة كمبريدج.. استمر هذا الوضع لمدة خمس سنوات.. ثم انتقلت بعدها لجامعة لندن كأستاذ بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية وذلك لسبعة وثلاثين عاماً متصلة وإنجازاتى الأوضح والأهم، فى نظرى، هى الدراسات القرآنية العديدة التى قمت بها طوال السنوات الأخيرة، وخاصة ترجمة «القرآن الكريم» للانجليزية، والتى انتهيت منها فى ٢٠٠٤.
* حدثنا عن هذه الترجمة؟
- هذه الترجمة هى فتح جديد فى تفسير القرآن وتفهيمه للناطقين بالإنجليزية.. فالقرآن منذ بدايات ترجمته من اللاتينية إلى الإنجليزية وهو غامض وغير مفهوم للغربيين.. وللعلم فإننى أستعد لإصدار جديد بعنوان «كيف تقرأ القرآن» وهو رغم أنه موجه للغربيين فى الأساس فإن المسلمين الذين يستطيعون القراءة بالإنجليزية سيفهمون القرآن من خلاله بشكل أدق وأكثر شمولاً من فهمهم الحالى به.
* لماذا؟
- سألت نفسى قبل البدء فى إعداد هذا الكتاب، ما الذى يجعل هؤلاء الناس الأوروبيين ينصرفون عن القرآن أو يهاجمونه.. ما هى الزاوية الغامضة فى النص القرآنى.. ومن ثم ركزت فى عملى على أهمية «تدوير أدمغتهم» لكى ينظروا إلى الجهة الصحيحة.
* نعود لترجمتك للقرآن؟
- الجهات العلمية وكثير من القائمين على ترجمات القرآن، أهملوا كيفية تقديمه، وبعض الدول والأفراد أسهموا فى ترجمة القرآن بشكل يضحك الثكلى!
* أعطنى نماذج لهذه الترجمات.. وما تضمنته من أخطاء؟
- عيب أن أصرح بشىء أو ضد أشخاص وأنا أعيش فى الخارج.. ولو كنت فى مصر لاستطعت نقد أى هيئة أو أى شخص لكن وضعى الآن حساس. المهم أن ترجمات للقرآن خرجت من مصر ومن عواصم إسلامية أخرى بشكل ردىء للغاية.. صحيح أن هناك كتباً شرحت القرآن للغربيين بشكل رائع مثل ترجمة الدكتور محمد عبدالله دراز والتى نقلها البعض من الفرنسية إلى الإنجليزية.
* ما هى الركائز التى أقمت عليها ترجمتك للقرآن؟
- أشياء كثيرة، ولكنى ركزت على السياق العام.. وعلى توضيح دلالات الضمائر وهى صعبة للغاية فى القرآن.. خذ عندك مثلا آية « وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه» سورة الأنعام ٣٧ - لو قدمت لهم ترجمة مجردة لها فسيقولون: ما معناها ولمن تقال.. ومن المقصود بالخطاب ، والقرآن يتكلم عن بيئة معينة فى مكة أو المدينة.
كما يحكى عن أحداث ووقائع تاريخية ودينية وعن الذبح والأنعام والحج.. وهو لغة إعجاز، لكن عندما تترجم النص القرآنى المكثف للإنجليزية وإلى ثقافة مغايرة لايفهمون هذه الغرائب، لذلك فإننى أترجم المعنى فى الآية السابقة أكتب أولاً: قال الكفار : «لولا نزل عليه آية من ربه».
قضية خطيرة أخرى واجهتنى فى الترجمة فهنا يقولون ان القرآن يقفز من موضوع إلى آخر، ثم يعود السياق القرآنى الى الموضوع نفسه فى سور أخرى.. والأبحاث الحديثة تتميز بالتصنيف الجيد، فالباحث يجهز موضوعه ثم يقدمه فى تبويب متناسق، والقرآن كتاب هدفه الهداية..
والرسول كان ينزل عليه الوحى بآيات القرآن، ثم يقول للصحابة وللحفظة ضعوها فى السورة الفلانية، وكذلك لا يوجد فى القرآن مقدمات للموضوعات مثل «سنتحدث عن كذا» أو «سننتقل إلى موضوع آخر».. وهكذا.
* كيف تعاملت مع ترجمة سورة مريم.. أو الآيات التى تتعلق بالمسيح عيسى عليه ابن مريم، خاصة وأنت تقدمها لمجتمع مسيحى فى الأساس؟
- قدمت النص القرآنى كما هو بالطبع.. فأنا لن أغيره من أجل إرضاء العالم المسيحى، ولكن كثيرين ممن يقرأون ترجمتى الدقيقة لهذه الموضوعات يقولون: كلام القرآن سليم.. وللعلم فإن كثيرًا من الغربيين عموماً، وحتى من رجال الدين، لايذهبون مع عقيدة التثليث، وبعض المفكرين والقساوسة المسيحيين يقولون: هى طريقة للتعبير وليست لوصف وضع حقيقى.
وهناك أيضا من الغربيين من يؤمن بأن الإنجيل ليس كلام الله وإنما جرت كتابته على مدى ألف عام. وأنا أركز هنا على الغالبية من المثقفين المسيحيين، وخاصة من رجال الكنيسة الإنجليكانية الذين يعرفون أن القرآن كرم السيدة مريم وابنها عيسى عليه السلام.
* كثير من الأساتذة والعلماء يخوضون الآن فى تفسير القرآن الكريم من ناحية تقديم أوجه إعجازه العلمى فى مجالات شتى.. كيف تعاملت مع آيات الاعجاز العلمي.
- أنا أستاذ لغة أولاً، وأعرف كيف تحدث القرآن فى كل قضية، وبالتالى لا أحمل النص أكثر مما يحمل.. ولا أقول غير ذلك، وأن ابتدعت شيئاً غير ذلك فلن يحترمونى ولن يسمعوا لكلامى.. ولن يقرأوا ما أكتب.
بعض العلماء المسلمين يقولون «والأرض ما دحاها» أى جعلها كروية.. وهذه آية إعجاز علمى حيث تنبأ القرآن الكريم بكروية الأرض قبل الكشوف العلمية بقرون طويلة، وأما أنا فترجمت النص الإنجليزى هكذا: دحاها: أى بسطها ووسعها.
آية أخرى «أفلا يرون أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها» سورة الأنبياء ٤٤، ويقولون إنها علامة على كروية الأرض أيضا أو إشارة إلى عمر الأرض وموتها فيما بعد وأقول: كلامهم فارغ.. والمعنى عندى: إنها أرض الكفار، وهى تنقص بهم لصالح المسلمين وتزايد عددهم مع انتشار دعوة الإسلام.
* شاركت فى ميادين عديدة لحوار الأديان سواء مشروع كمبريدج لحوار الأديان، أو «حلقات بناء الجسور الثقافية التى تقودها أسقفية كانتربرى».. البعض يرى أنها أصبحت بلا فائدة.. وخرجت أصوات من الفاتيكان بأن تعدد منابر الحوار فى العالم الإسلامى وفى أوروبا تضعفه.
- لا.. حوار الأديان عمل جيد للغاية.. وأنا أرحب به، بل إنى أشارك فيه منذ ٣٠ عاماً.. فى السبعينيات كنا نجتمع كمسلمين ومسيحيين فى غرفة واحدة، ونقول: نحن نعبد رباً واحداً، وأهدافنا الخيرية للبشرية واحدة.. ثم ننصرف بعد أن نأكل وليمة مشتركة.. هذا الأسلوب غير ذى جدوى على الاطلاق.
الآن.. الموضوع مختلف، أنا أجلس مع قائد الكنيسة الإنجليكانية، وأتناقش معه وهو رجل منفتح، والجلسة الواحدة تضم ١٥ مسلماً إلى جوار ١٥ مسيحياً.. نتدارس موضوعاً من القرآن ومن الكتاب المقدس.. ثم ننتهى بنتائج يستفيد منها الناس العاديون.
* وفى أى برنامج هذا؟
.. فى برنامج بناء الجسور النقاشية التى تقوده أسقفية كانتربرى.
* لكن العداء للإسلام زاد فى الغرب رغما عن هذه الجلسات؟
- الموضوع فى بدايته.. العداء موجود منذ قرون، وأسبابه سياسية فى الأساس، و«الميديا» توسعه ، ولكنه سيزول.
الملك عبد الله مثلاً جاء لمدريد وجلس إلى ملك إسبانيا مع قيادات دينية من شتى أنحاء العالم.. وبعدها ذهب للأمم المتحدة حيث دوائر أوسع.. وبالتالى سيأتى الحوار بنتائح أكثر فاعلية.
* لكن البعض انتقد جلوس قادة دول إسلامية، ومنها العاهل السعودى فى مكان واحد مع الرئيس الإسرائيلى.
- أنت تريد أن يخرج المسلمون من الأمم المتحدة عندما يدخلها رئيس إسرائيل.. هم يريدون ذلك ليقولوا بعدها أن العرب متخلفون.
* ما رأيك فى مشاركة شيخ الأزهر فى هذا الحوار؟
- خطوة جيدة للغاية.. إذا دخلنا هذا المجال وأنجزنا، ولو ٥% فى الاتجاه الصحيح سيكون أفضل من الانعزالية أو التطرف.
* أنت عملت كخبير شاهد بالمحاكم البريطانية فى المسائل التى تمس الشريعة الإسلامية.. الصحف البريطانية تعرضت فى الوقت الحالى لمشاكل بشأن اعتراف المحاكم لديكم بالشريعة.. خاصة فى مسألة الطلاق.. ما قولك فى هذا الشأن؟
- القاضى حاكم حتى لو كان هذا القاضى غير مسلم.. لأنه له سلطة على كل الموجودين فوق أرض هذا البلد. وإذا أصر الزوج المسلم على عدم تطليق زوجته، ولجأت المرأة للقضاء وحصلت على حكم من القاضى بالطلاق، فإننى أرى الحكم قانونيًا وشرعيًا فى وقت واحد..
والزوجات المسلمات عندما دخلن هذه البلاد أو تجنسن بجنسيتها اعترفن بالقانون الذى يحكمها، بل إننى أرى أن المحكمة هنا بمقام التوكيل الرسمى الذى يتركه الفرد لأخيه أو لأقاربه ليتزوج له.. أو ليطلق له ، ونحن عندما دخلنا هذه البلاد قبلنا ضمنياً بالانصياع لها، ولدينا هنا نحو ٤ مجالس للشريعة فى لندن، وهى ترسل للزوج خطاباً مسجلاً.. تكرر ذلك ثلاث مرات ثم تنصح المحكمة بتطليق الزوجة بشكل نهائى.
* حصلت على وسام بهذا القدر، أولاً أنت شخصية ناجحة ومرموقة فى لندن، لكن هل أنت معروف فى بلدك مصر؟
- البعض يعرفنى فى الأزهر.. ومن زملائى فى كلية دار العلوم.. وبالطبع فى بلدتى «الأسدية» التابعة لمركز أبو حماد بمحافظة الشرقية.
* هل تتم دعوتك للمنتديات والمؤتمرات الاسلامية فى مصر؟
- مرة واحدة تمت دعوتى الى مؤتمر نظمه الأزهر ووزارة الأوقاف.. ولم تتكرر هذه الدعوة، ربما لأننى أتحدث بصراحة.. وهذا الأمر لم يعجبهم.
* بعد التكريم من الملكة إليزابيث.. هل تعتقد أن صورتك فى مصر ستتغير.. خاصة أن عواصم أخرى سعت إلى تكريمك من قبل مثل الممكلة الأردنية؟
- والله أنا مستعد لأى تكريم فى مصر.. مستعد لأن آكل «كباب» أو حتى «طعمية» مع من يطلب تكريمى.. كل ذرة من دمى فى مصر.. ودعائى الدائم هو أن يكشف الله الغم والفقر عن جميع المصريين.
* هل لك تلاميذ فى مصر؟
- كثيرون جاءوا إلى هنا.. وبعضهم عاد.. وآخرون بقوا هنا.
* هل تشاهد دعاة الفضائيات خاصة القنوات الإسلامية؟
- معظمهم يظهرون ويشتهرون لأسباب غير علمية.. ينبغى ألا يظهر الى الناس إلا الأكفاء والمستنيرون المتمكنون من دينهم.. وأحياناً أسمع كلاماً وفتاوى تعود للعصور الوسطى.. ونسى هؤلاء أن واحداً مثل محمد عبده ظهر بحداثيته وعقلانيته قبل ما يزيد على مائة عام.
* فى عام ١٩٦١ سافرت وأنت «الدرعمى» إلى كمبريدج، وبعد تخرجك اختاروك لتدرس هناك.. ثم ترقيت فى عملك ووصلت إلى مكانتك الحالية.. هل يستطيع أزهرى أو درعمى فى ٢٠٠٨ ان يكرر تجربتك هذه؟
- ألاحظ.. تراجع المستوى العلمى عن أيامنا، ومستوى جيلى بالطبع أقل من جيل طه حسين وأحمد أمين وأمين الخولى.
كنا ٢٦٠ طالبًا فى دفعة دار العلوم عام ١٩٦٠، الآن يزيد عدد الدفعة على ألفى طالب.. مستوى اللغة العربية يتراجع، ويحزننى الأداء اللغوى لبعض المصريين فى وسائل الإعلام.
* قررت عدم العودة إلى مصر.. وكان ذلك فى عام ١٩٦٥.. كيف ترى مسيرتك الآن.. ولو عاد بك الزمن هل كنت تكرر البقاء فى بريطانيا؟
- «شوف»، لو لم أترجم القرآن الكريم، ورغماً عن كتبى العشرة الأخرى وهى واسعة الانتشار، لكنت لعنت نفسى، ولعنت غربتى وفضلت البقاء فى القاهرة أو البقاء فى قريتى «الأسدية»، وأنا عندى «عنطزة» أو سمها «إحساسا بالكرامة زائد عن الحد» لأنى أرى نفسى مصرياً كريماً وعربياً كريماً.. والأهم مسلمًا يتحقق فيه كرامة دينه ، وأقول أنا أيضاً مكرماً فى هذا البلد.. والله لم ينظر إلى شخص واحد طوال مسيرتى هنا، التى تجاوزت ٤٧ عاماً، بشكل يقلل من شأنى.
* فى بداية عهدك حدثت النكسة.. كيف تعايشت معها؟
- النكسة كادت أن تصيبنى بالجنون.. وجعلتنى أهيم على وجهى لشهور.. وفى عام ١٩٦٨، فتح عبدالناصر الباب لهجرة العقول المصرية فوصل لندن نحو ٤٥٠ طبيباً فى العام نفسه.
وبعد هذه الرحلة وإنجابى لأولادى وأحفادى الاثنى عشر أحمد الله أننى اعيش هنا، وأنا تلقيت عروضاً مغرية للسفر والإقامة والتدريس فى عواصم عديدة، لكنى لم أتخيل نفسى إلا وأعيش فى لندن أو القاهرة وأنت تحدثنى الآن..
أكرر الحمد لله فهاهى ملكة بريطانيا، التى تحكم منذ ٦٦ عاماً، تكرمنى لعطائى الثقافى والإسلامى وأقول لك، إننى أحب هذه البلاد ، بريطانيا، وأؤكد أنها بلاد تحترم العمل أكثر من أى مكان، وأركز على أن النهضة الحديثة بدأت من هنا.. ابحاث الـ «DNA» انطلقت من لندن والناس عرفت الإنترنت لأول مرة هنا.
* هل هذا الوسام له قيمة مادية.. أم هو قيمة معنوية فقط؟
- والله لا أعلم حتى الآن.. وعندما ظهرت القائمة فى الصحف، فوجئت بأنها شىء محترم للغاية.. أناس لا أعرفهم يبعثون بالبرقيات، مدير البنك الذى أتعامل معه بعث لى بخطاب يعلمنى فيه بأن لقباً جديداً «لا أعرف ترجمته الدقيقة للعربية» سيسبق اسمى، أنا سعيد بالقيمة الأدبية والفكرية أكثر.. وبأننى قدمت شيئاً فى مسيرتى يستحق التقدير والتكريم

0 التعليقات:

 

اخوان دار العلوم Copyright © 2009 WoodMag is Designed by Ipietoon for Free Blogger Template

') }else{document.write('') } }