لماذا لا ينقذ الله أهل غزة؟


السؤال :


أيها الإخوة : اسمحوا لي وليغفر لي الله أن أسأل هذا السؤال : أين الله مما يحدث لإخواننا في غزة، لماذا لا ينصر عباده المستضعفين على اليهود المعتدين؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد أجاب الله سبحانه وتعالى عن هذا السؤال في كتابه الكريم الخالد حتى لا يترك الظنون تلعب بنا فقال ( ......وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد : 4]
فالله لم ينتصر لكي يختبرنا نحن، هل سنقوم بالدور المطلوب منا تجاههم أم لا؛ لأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

يقول الشيخ حامد العطار- عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين-

أمام هذه المشاهد المأساوية التي تنقلها الشاشات لما يحدث للمسلمين في غزة على يد الصهاينة المعتدين، أمام هذه المجازر البشرية وشلالات الدماء المتجددة والأشلاء المتناثرة،أمام أنات الأطفال وآهات المثخنين بالجراحات القاتلة، أمام أيادي الأطفال الضارعة التي تستصرخ العالم وتستنقذ البشر دون مجيب،أمام الهدم والتدمير والقتل والتنكيل، أمام عجز الأب بين أولاده والكبير بين أتباعه،أمام القلوب التي تنخلع من هول الصدمة، والأضلاع التي تختلف من بطش الهجمة، أمام الأشلاء المطموسة التي لم يتبق فيها من معالم سوى أنها ركام بشرية....أمام هذه الأهوال والطوام يتسلل السؤال إلى النفوس : أين الله الكبير المتعال؟ لماذا لا ينزل الله جنوده على هذه الفئة الباغية تتخطفهم من الأرض؟ لماذا لا يهلكهم كما أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى أو وَثَمُودَ لما أخذهم فَمَا أَبْقَى، أو قوم نوح لما غرقهم تغريقا أوالْمُؤْتَفِكَةَ حينما أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى.

والمفاجأة أن الله تعالى لم يترك هذا السؤال دون جواب، بحيث يحاول أحد من خلقه مهما علا علمه أن يتلمس إجابته!! فماذا قال الله؟

قال الله جلت حكمته : "فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد : 4].

يأمر الله بقتال الكافرين في موطن القتال، ويبين لهم أنه لو شاء لانتصر هو بنفسه منهم دون حاجة لأمر المسلمين بقتالهم" ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ" غير أن هذا لن يكون، نعم إنه لم يشأ ذلك ولم يرده، وذلك معنى قوله تعالى " وَلَكِنْ" أي ولكن لم يشأ أن ينتصر منهم بنفسه، بل شاء أن يكلفكم أنتم بقتالهم، لماذا؟"لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ" أي ليختبر المؤمنين بالكافرين، ليختبر مدى إيمانهم حينما يقابل ببطش وشدة الكافرين، فعند الابتلاء تظهر الحقائق، وتتضح الخفايا ، وتسجل المواقف، ورحم الله الفضيل بن عياض لما سمع قول الله تعالى " ونبلو أخباركم" بكى وقال: اللهم لا تبتلنا فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا.

ما أسهل أن يدعي الإنسان أنه مؤمن مستعد للتضحية عن دينه ومقدساته بالنفس والمال، بل ربما ظن الإنسان أنه قادر بالفعل على ذلك فهل يحاسب الله الناس على مجرد ظنونهم وأقوالهم؟ أم يقيم لهم اختبارا يظهر فيه الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق؟ حتى يكون الحساب والجزاء على المواقف والأعمال؟ صحيح أن الله يعلم مواقف كل شخص قبل ظهورها، ولكن بأي شيء يقيم الحجة على عباده؟ألم يخبرنا الله أن الإنسان يوم القيامة سيرد شهادة الملائكة على مواقفه ويصر على أن لا يشهد عليه أحد سوى نفسه، بل ويشتد في افتراء فيحلف كذبا بين يدي الله أنه بريء من الأعمال التي سجلت عليه ، وذلك قوله تعالى:"يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ [المجادلة : 18] حتى تشهد عليه أعضاؤهم" يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) [النور : 24] وذلك مثل عود القصب هل يمكن الإنسان أن يعلم حلاوته من مرارته إلا بذوقه، فهذا التذوق هو الابتلاء!!

إذن فهذه الحرب الدائرة على إخواننا بغزة- وما قبلها من حروب وما سيعقبها- لا تحدث إلا بإرادة الله تعالى ، سوق كبير للاختبار ، تسجل فيه المواقف وتظهر فيه الأعمال، فالمسلم لا يمكن أن يدخل الجنة بالمجان وإلا لدخلها كل الناس، بل لا بد من تقديم النفس والمال" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة: 111]

لقد أرسل الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم وسط تحديات كبرى، فالمال والسلطان في يد عدوهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه بلا مال أو سلطان، حتى تضرع رسول الله إلى ربه قائلا : ""اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟" فلماذا لم يبعثه ربه في زمن ليس فيه أبو جهل وأبو لهب؟ لماذا لم يبعثه ومعه المال والسلطان؟ أم لماذا لم يبعثه في المدينة دون الحاجة للاضطهاد والهجرة؟ الجواب وبماذا إذن يدخل الجنة؟ الجنة ليست بالمجان.

لقد أرسل الله تعالى موسى وهارون – عليهما السلام- إلى فرعون فقال : " اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) [طه : 43 - 46] " نعم يمكن أن يحيطهما الله بكنفه ورعايته أثناء المهمة الصعبة، لكن غير ممكن أن يعفيهما منها وإلا فعلام يدخلان الجنة.

صحيح أن هذا الابتلاء، قد يعقبه قتل وتنكيل بالمسلمين،فيأتي الجواب : " وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (محمد :4) أما من يموت فلن يخسر شيئا، ولن يضيع شيء من عمله، بل ولا من آماله الكبار، فما هي إلا خروج الروح ليعقبها استقرار في الجنة حيث النعيم الباقي، الذي لا يزول ولا يحول.

وياله من اختبار يتكشف معه الأشخاص والقيم والهيئات، فيظهر العدو من الصديق والبعيد من القريب، والولي من اللدود.

تكشفت معه مواقف الحكام والرؤساء، والعلماء والدعاة، والحركات والهيئات!! ظهر هذا فسجله الله على أصحابه ويوم القيامة يقاضيهم بما سجله عليهم من أعمالهم . وهو تكشف مفيد للناس، فعرفوا مواطن النصرة ومواطن الهزيمة، فلربما كانوا يظنون في أحد الرموز أو الهيئات أنه الناصر المعين فإذا به الخائن الذليل فيتلمسون النصرة في موضعها الصحيح.

تكشف للناس حجم مجلس الأمن والأمم المتحدة، والمواثيق الدولية والقوانين الدولية والاتفاقات الأممية، وهل هي مؤسسات محايدة تنصف المظلوم وتأخذ على يد الظالم أم أنها مؤسسات صادرتها بعض الدول لصالحها.

والله أعلم.

0 التعليقات:

 

اخوان دار العلوم Copyright © 2009 WoodMag is Designed by Ipietoon for Free Blogger Template

') }else{document.write('') } }