خطتك الشخصية...لإدارة الضغوط


إن الخطوة الأولى لإدارة الضغوط هي الوقوف مع النفس وإعادة التفكير في حياتنا كما هي الآن، لنجيب على السؤال التالي: هل نستطيع الاستمرار كما نحن دون المخاطرة بصحتنا الجسمية والنفسية؟ إذا كانت الإجابة على هذا السؤال بلا، فالخطوة التالية هي إعادة تقييم حياتنا بالكامل، للتعرف على أهدافنا في تلك الحياة والسبل التي ابتعناها لإنجازها.
إن هذا التقييم الحيوي ينبغي أن يتم بصفة دورية ومع كل مرحلة عمرية يمر بها الإنسان حتى لا تجرفه الضغوط إلى حيث لا يتمنى.
وإذا كنا قد أرجعنا الضغوط إلى أسباب موجودة في البيئة التنظيمية والاجتماعية وأخرى موجودة في تجربة الضغوط بمعنى تفاعلنا مع الأسباب المؤدية للضغوط وأسباب تعود لنا. ومن ثم فإن خطتنا الشخصية لإدارة الضغوط ينبغي أن تكون ثلاثية الأبعاد كما يلى.
1- التعامل مع أسباب الضغوط الموجودة في البيئة التنظيمية وفي حدود سلطتنا وقدرتنا على ذلك حتى لا نصاب بمزيد من الضغوط.
2- التعامل مع تجربة الضغوط بمعنى أن نتعلم تغيير استجاباتنا الجسمانية والمعرفية والسلوكية للضغوط حتى يساعدنا ذلك على تقليل النشاط الآلي غير المطلوب من جانب أجسامنا المختلف مواقف الضغوط.
3- التعرف على نمط شخصيتنا لنرى ماذا فينا يجعلنا فريسة سهلة للضغوط. ومن ثم نحاول تغيير السلوكيات المؤدية بنا للضغوط.
وسنتحدث فيما يلى باختصار العنصرين الأول والثاني وبتفصيل أكثر عن العنصر الثالث والسبب في ذلك، كما سبق أن لاحظنا أن المصدر التنظيمية للضغوط قد لا يكون لنا سيطرة عليها وبالتالي فقدرتنا على تغييرها محدودة وإذا حاولنا تغييرها فنحن ندفع بأنفسنا لخوض معارك غير ضرورية بل غير مسموح لنا أصلا بخوضها والنتيجة مزيد من الضغوط. أما العنصر الثاني فيتضمن تغيير تجربة الضغوط وقد تم الحديث عن ذلك وبالتالي فسنذكر بما قيل في هذا الشأن.
يتبقى العنصر الثالث الذي يجب على الإنسان أن يلعب دورا رئيسيا فيه ولذلك فسنتحدث عنه ببعض من التفصيل.
1- التعامل مع المتغيرات التنظيمية والبيئية للضغوط:
تتعدد عناصر ومتغيرات البيئة التنظيمية والخارجية التي قد تصبح مصدرا للضغوط تتراوح بين عبء عمل زائد أو قليل إلى سياسات تنظيمية غير عادلة من وجهة نظرنا إلى مشكلات مالية ناجمة عن زيادة التطلعات المادية والأسرية وارتفاع الأسعار. أن مدخل الإنسان في علاج مثل تلك الضغوط هو تصنيفها كما ورد في أحد الاستراتيجيات التي تناولناها فيما سبق إلى تجاهل أو تعود على، إذا كان ليس لي سيطرة على الأحداث فإما أن أتجاهلها، أو أحاول قبولها والاعتياد عليها، أما إذا كنت استطيع القيام بعمل ما إزاءها، فيجب الإقدام على ذلك على أن يكون ذلك بطريقة ملائمة بأن أصنف العمل إلى عمل فوري أو عمل مستقبلي.
2- التعامل مع تجربة الضغوط:
كما رأينا- تظل الضغوط محايدة حتى يتعرض لها الإنسان ويختلف رد الفعل من إنسان لآخر.. فرد الفعل للحدث قد يؤدي للضغوط لدى شخص ما في حين لا يعتبر نفس هذا الحدث حدثا ضاغطا بالنسبة لإنسان غيره. ذلك ما يقصد بتجربة الضغوط بمعنى كيفية التفاعل مع حدث معين أورد الفعل لهذا الحدث.
فرؤية الناس وتفسيراتهم للأحداث هي التي تشكل استجابة الضغوط. ولعل هذا ما يبرر تعرض البعض للضغوط وشعورهم بالتعاسة والضيق وعدم التركيز حين يكون لدى غيرهم المتماثلين معهم في الظروف القدرة على تحمل عبء العمل والقدرة على الجمع بين الصعب والسهل وذلك بسبب رؤيتهم لأحداث الحياة وتفسيرهم لها، تفسيرنا هو الذي يحدد استجابتنا للضغوط وبدون الإدراك الواعي- فإن المثير أو الحدث يدفع بقوة وبطريقة آلية استجابة الضغوط، لأن الإدراك كما نعلم هو عملية إعطاء معنى للأحداث الخارجية، وعندما يقوم الإنسان بإعطاء معاني فإنه يؤثر في استجابة الضغوط لديه، معنى ذلك أن الأحداث الضاغطة قد تتشابه بين الأفراد لكن تختلف استجاباتهم لها.
إن ردود أفعالنا على المستوى المعرفي ومستوى التفكير والمعرفة لها تأثير على ما يحدث على المستوى الفسيولوجي، ولذلك فتغيير ردود الأفعال تلك كلما أمكن يساعدنا على تقليل النشاط الآلي غير المطلوب من جانب أجسامنا لمختلف مواقف الضغوط.
ويرث الإنسان المعاني من ثقافته وممارساته. إن المعاني لا يتم اختيارها بحرية بل يتم إعطاؤها. وتكمن المعاني في المهارات والممارسات وليس فقط في المفاهيم، وهكذا فإن الإنسان يمكن أن يكون له استجابة عاطفية لحدث ما دون أن يكون قادرا على تفسير أو حتى شرح المعنى المسئول عن تلك الاستجابة. وهكذا فإن المعاني التي توجد في ذهننا هي التي تحدد ما إذا كان الحدث يفسر على أنه ضاغط.
عندما ننجح في إحداث تغيير في التفسير المعرفي يمكن لنا العمل بطريقة ملائمة في ظروف كانت غير مثيرة بالنسبة لنا قبل هذا التغيير في التفسير المعرفي. ومن هنا يتضح لنا أهمة تدريب أنفسنا على عمل التغيير المعرفي الصحيح الذي يمكننا من تغيير تفكيرنا بطريقة أكثر واقعية وفاعلية ومن ثم يؤثر في استجابتنا للضغوط بشكل يجعل تلك الاستجابة معقولة ولا توقعنا فريسة لأمراض الضغوط.
3- التعرف على نمط شخصيتنا:
إن الإنسان أعظم مدير لشئون حياته وهو أقدر الناس على رسم برنامج لإدارة تلك الضغوط لأنه الوحيد الذي يشعر بما يؤلمه وما يسعده وهو أول من يتلقي إشارات تحذيرية من جسمه ونفسه وعقله بأن هناك خللا معينا وأن أموره لا تسير على مرا يرام، ومن ثم عليه التدخل للمساعدة وإصلاح هذا الخلل.
على الإنسان إذن بعد التعرف على نمط شخصيته والتأكد من حاجته لإدارة ضغوطه البدء بإعداد برنامج أو خطة شخصية لإدارة ضغوطه مستعينا بالأفكار والمبادئ التالية:
أ‌- الاستعداد للتغيير والالتزام به: التغيير كما وأكدنا هو المدخل الأساسي والركيزة الضرورية لنجاح إدارة لضغوط. تحتاج إدارة الضغوط إلى وقفة الإنسان مع نفسه والتساؤل هل أنا في الوظيفة الملائمة لي علي أي حال؟ هل تحقق لي ما أصبو إليه؟ هل لدى الصفات الصحيحة لتحقيق النجاح؟ هل أقيم علاقة ملائمة مع عائلتي، زملائي عملائي؟ هل أولوياتي صحيحة هل أدع مجالات لاهتمامات أخرى في حياتي؟ هل أوجد بعض الوقت لدي للاستمتاع أو الاسترخاء في ركن هادئ وجميل.. هل استمتع بما لدى من نعم وما أحبه من أشياء. هل يسمح أسلوب حياتي عموما بممارسة هوايات مثل الرحلات أو الانطلاق والتمتع بجمال الطبيعة وبإيجاد مناطق استقرار أشعر حيالها براحة نفسية.
أغلب الظن لو أن الإنسان من نمط A فسنجد إجابته بالنفي على معظم تلك الأسئلة ومن ثم فعليه التغيير والالتزام به، وهنا دور إرادة الإنسان خاصة ما تذكرنا أن نمط A يقاوم التغيير كعادة معظم البشر لكن يزيد عنهم بأنه لا يعترف أنه بحاجة لهذا التغيير.
ب‌- التوازن:
إن التوازن ورأينا يشكل مع التغيير والتكيف ركائز أساسية لإدارة الضغوط. إن جوهر إدارة الضغوط كما رأينا هو التوازن بين قوة المطلب وقدرة على الاستجابة، بين اللعب واللهو، اللقاء بالناس والاختلاء مع النفس، وهو موازنة الأبعاد الإنسانية الأربعة، العاطفية والجسمانية والروحية والذهنية وقضاء وقت أطول في التأمل واللعب والمرح والابتسام والاعتراف بدرجة عاطفيتنا ومشاركتنا للناس في المشاعر الإنسانية واشتراك من نثق فيهم في أفراحنا وأتراحنا.
ج- الواقعية والحزم في التعامل مع عوامل الضغوط:
يتطلب التقييم الواقعي لحياة الإنسان أن يعمل ما في وسعه ولكن أيضا أن يعرف حدوده فليس الإنسان "سوبرمان أي ذو قوة خارقة، هناك دائما حدود لقدراته الشاملة (العقلية والعاطفية والجسمية) وحدود لوقته.
ويفيد في هذا المجال تعلم السلوك الحازم في حياته وتعلم وضع حدود لاستغلاله الوقت والطاقة وقول لا بلباقة في الوقت المناسب للشروع في إدارة الوقت بفاعلية وإعطاء مزيد من الوقت لنفسه والتمسك بحقوقه الشخصية وممارستها دون إنكار لحقوق الآخرين، وأن ينظم استخدام سياسة الباب المفتوح بفعالية وأن يتخلص من بعض الاجتماعات غير الضرورية وأن يتعامل بفعالية مع مضيعات الوقت مثل البريد غير الهام الزيارات المفاجئة غير الضرورية والهاتف غير الهام.
د- تطبيق السلوك الحازم في التعامل مع الغضب وإدارة الخلاف:
كما رأينا يعتبر الخلاف بين الناس أمرا طبيعيا يعبر عن تفرد كل البشر، حيث لا نجد شخصين متطابقين في أفكارهما ومبادئهما واتجاهاتهما، ومن ثم فالخلافات طبيعية ومصادرها عديدة، لهذا تعد مهارة التعامل الإيجابي مع جوانب عدم الاتفاق والاختلاف مع الآخرين مهارة أساسية لأغني عنها للنجاح الشخصي والوظيفي ووسيلة لتقليل القلق والتوتر ومن ثم الضغوط.
عادة ما يصاحب الخلافات مشاعر قوية بالضيق أو الغضب وفقا لحدة النزاع أو الخلاف ولهذا أيضا تبدو أهمية اكتساب مهارة التحكم في هذا الغضب حتى لا يتفاقم الخلاف ويصل لمرحلة الصراع وهنا تبدو أهمية تطبيق السلوك الحازم في التعامل مع الغضب.
إن لذلك مردود على صحتا ورفاهيتنا ونجاحنا في تكوين العلاقات الضرورية التنظيمية والاجتماعية. وفوق ذلك فإن ذلك فضيلة يدعو إليها ديننا الحنيف حيث يقول عز وجل "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" سورة آل عمران. ويقول "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" (فصلت) لذلك ينبغي تطبيق السلوك الحازم في التعامل مع النزاع أو الخلاف كما يلي:
* الاعتراف بأن الخلاف طبيعي وتعبير عن تفرد كل البشر.* الإفصاح للطرف الآخر بأني رغم اختلافي معه فإني أحترم أفكاره.* ضبط النفس وقوة التحكم في الموقف.* التخلي عن موقف فوز خاسر والذي يعتنق بموجبه الفرد اتجاه لا بديل لفوزه في موقف الصراع على حساب خسارة الطرف الآخر إذ يجب إدارة النزاع ولدى اتجاه بالحلول الوسط وحل المشكلات بطريقة بناءة بدلا من محاولة فرض إرادتي التي لن تؤدي إلا إلى مزيد الخلاف والمرارة.* البحث عن نقاط الالتقاء بينك وبين الطرف الآخر بدلا من توسيع شقة الخلاف.* إعادة صياغة الجمل للتأكد من فهم الطرف الآخر لوجهه نظرك. فقد يكون سبب الصراع مجرد سوء فهم، لأنه كما سبق أن رأينا إن عمل التقييم المعرفي الصحيح يساعدنا على تغيير تفكيرنا وأن التقييم المعرفي قد يكون هو سبب للضغوط التي تؤدي إلى وتنجم عن الخلافات (دائرة خبيثة من الضغوط والخلافات).
هـ- تنمية المهارات الإدارية:
يمثل النجاح الوظيفي ركيزة لتجنب الضغوط ويعد مصدرا لتقدير الذات، ولذلك ينبغي على الإنسان الإلمام بمفاهيم ومعارف الإدارة واكتساب المهارات التي تساعده على الأداء الفعال وعلى تنمية علاقات إيجابية في بيئة العمل أيا كان موقعه في الهيكل التنظيمي من ذلك إتباع أسلوب العلاقات الإنسانية في الإدارة، تفويض بعض الصلاحيات لمن يصلح من المرؤوسين لزيادة تحفيزهم للعمل وإعدادهم إداريا وللتخفيف من أعبائه الوظيفية وإتباع أسلوب الإدارة بالمشاركة وإيجاد روح الفريق بين جماعة العمل وإشراكهم في صنع القرار والتقييم الموضوعي والعادل لأدائهم وإرشادهم لتحسين الأداء وتنمية علاقات إيجابية مع الرؤساء والمرؤسين والزملاء.
كذلك ينبغي على الإنسان تنمية مهارات الاتصال اللفظي وغير اللفظي لديه ويجدي إتباع ما يلي لتحقيق ذلك:
* انتظار المتحدث حتى ينتهي من حديثه.
* إظهار ملامح الاهتمام والجدية أثناء متابعة الحديث.
* تسجيل بعض نقاط المحادثة (للتذكير وإظهار الاهتمام).
* الانصراف عن الأشياء الجانبية وتجنب الشرود.
* العناية بالتعبيرات والاتصالات غير اللفظية مثل توزيع البصر بين المستمعين والتحكم في تعبيرات الوجه لنقل مشاعر المتحدث للمستمعين ومراعاة المسافة المناسبة بين المتحدث والمستقبل وتجنب التعبيرات غير اللفظية الانفعالية مثل الغضب أو العصبية الزائدة.
و: تكوين شبكة التأييد الاجتماعي والعلاقات لا شخصية المرتبطة بها ومناطق الاستقرار.
شبكتنا الاجتماعية قد تكون الأقارب أو الأصدقاء الحميمين أو الزوج/ الزوجة والأبناء، أي من نشعر حيالهم براحة نفسية والذين يكونون مصدر مساندة اجتماعية لنا وفي نفس الوقت على الإنسان أن يكتسب عادة البعد عن الأفراد المقلقين أو على الأقل تقليل علاقته بهم إلى أضيق حد وأن يقتلع من شبكته الاجتماعية الأفراد الذين أصبحوا عبئا أو مصدرا للألم في حياته وأن يوجد وقتا مناسبا للعلاقات الهامة.
* ويرتبط بذلك أن يتعلم الإنسان التعبير بصدق عن المشاعر وبطريقة ملائمة وللشخص الملائم وأن يسمح لنفسه بأن يكون عاطفيا وأن يمنح نفسه وقتا خاصا به وأن يكسب نفسه عادة التوقف عن لوم نفسه أو اتهام نفسه بالذنب والتقصير.
وعليه أن يوقظ الطفل الذي بداخله من وقت لآخر وأن يعود لطفولته وأن يدع الطفل اللاهي اللاعب المنطلق حتى يستمتع بما لديه وباللحظة الحالية.ز- الاسترخاء:
ويرتبط بذلك أن يدرك الإنسان مناطق الاستقرار التي يشعر الإنسان باسترخاء عند اللجوء إليها. تتضمن هذه الأماكن المحببة للإنسان والتي يشعر فيها بالتغيير والراحة النفسية والاسترخاء، كما تتضمن القيم والمعتقدات الدينية مثل قراءة القرآن الكريم أو الإنصاف إليه.
وقد تتضمن ممتلكات ذات قيمة بالنسبة للإنسان أو معبره عن جاحات أو إنجازات معينة. وقد تتضمن صورا للطفولة أن لمناسبات عزيزة على الإنسان أو الانضمام للجمعيات الخيرية أو ممارسة أنشطة أو هوايات تريح النفس.
ومن الأساليب التي تساعد على الاستقرار الحصول على القدر الكافي من النوم وإتباع أسلوب غذائي صحي تتوفر فيه كافة العناصر الضرورية والبعد عن المهدئات أو المنبهات، كذلك ممارسة بعض التمرينات الرياضية غير الشاقة والتي تلائم قدرات الإنسان وحالته الصحية وإتباع رياضة المشي بشكل ملائم لتقوى قلبك.

0 التعليقات:

 

اخوان دار العلوم Copyright © 2009 WoodMag is Designed by Ipietoon for Free Blogger Template

') }else{document.write('') } }