أشعر أننا نسير في طريق (الذهاب) في الوقت الذي يسير فيه الناس في طريق (العودة)!!! والمشكلة أن كثيرين يؤشرون لنا ويطلبون منا العودة لسبب ما! إما لأن الطريق مغلق؛ أو لوجود (حفريات) عميقة!!! ومع ذلك أغمضنا أعيننا وتابعنا السير!!
ربما كان الشيخ علي الطنطاوي ـ رحمه الله ـ من أول من أشار إلينا ونبهنا وذلك حين قال: في " فصول إسلامية " ( ص 96 ) : "يا سادة إن السيل إذا انطلق دمر البلاد، وأهلك العباد، ولكن إن أقمنا في وجهه سداً وجعلنا لهذا السد أبواباً نفتحها ونغلقها صار ماء السيل خيراً ونفع وأفاد. وسيل الفساد المتمثل في العنصر الاجتماعي؛ مر على مصر من خمسين سنة، وعلى الشام من خمس وعشرين أو ثلاثين وقد وصل إليكم الآن [يعني: المملكة] فلا تقولوا: نحن في منجاة منه! ولا تقولوا: نأوي إلى جبل يعصمنا من الماء، ولا تغتروا بما أنتم عليه من بقايا الخير الذي لا يزال كثيراً فيكم، ولا بالحجاب الذي لا يزال الغالب على نسائكم. فلقد كنا في الشام مثلكم ـ إي والله ـ وكنا نحسب أننا في مأمن من هذا السيل، لقد أضربت متاجر دمشق من ثلاثين سنة أو أكثر قليلاً وأغلقت كلها وخرجت مظاهرات الغضب والاحتجاج؛ لأن مديرة المدرسة الثانوية مشت سافرة ـ إي والله ـ فاذهبوا الآن فانظروا حال الشام!!
دعوني أقل لكم كلمة الحق، فإن "الساكت عن الحق: شيطان أخرس" إن المرأة في جهات كثيرة من المملكة قريب وضعها من وضع المرأة المصرية يوم ألف قاسم أمين كتاب تحرير المرأة، فلا يدع العلماء مجالاً لقاسم جديد... لقد نالوا منا جميعاً لم ينج منهم تماماً قطر من أقطار المسلمين).
ولم يقصر الأستاذ (باشميل) فقد نبهنا إلى أحوال الاختلاط في مصر فنقل لنا عن أحد الكتاب المصرين قوله:(الجامعات اليوم صارت أربعا، منها: اثنتان في القاهرة. وحين طلبت بعض الفتيات المتأخرات(أي المحافظات) اللواتي يذهبن إلى الجامعة للعلم وتغثى نفوسهن من القذارة الروحية {هكذا} والفكرية التي يمارسها الطلبة والطالبات الذين لا هم لهم غير الصيد ـ صيد الحيوان ـ حين طلبت هؤلاء الفتيات أن تخصص لهن جامعة يتعلمن فيها كل العلوم؛ بمعزل عن الفساد: ثارت ثائرة الصحافة التحررية وقال قائلها: "من أين نجيء بالمعامل؟ ومن أين نجيء بالأساتذة والمدرسين؟ ونحن في أزمة من كل هؤلاء؟ اليوم لو جمعنا فتيات الجامعات الأربع ألا يملأن جامعة كاملة بل أكثر؟ بنفس المعامل ونفس الأدوات ونفس الأساتذة والمدرسين بلا زيادة ولا تغيير؟ فلنكن صرحاء.
(..) لقد زعمت أوربا في القرن الفائت { الثامن عشر} أنها اهتدت لهذا الاختلاط البريء كحل لمشكلة الجنس المكبوت. ثم رأت بنفسها النتائج! وعرفت أنه لا يظل على براءته قيد خطوات، ومن ثم لم يعد دعاتهم يكتبون عن (الاختلاط البريء) كانوا صرحاء مع أنفسهم. قالوا: إنهم يريدون الاختلاط وليكن من نتائجه بعد ما يكون. ونحن ما زلنا نردد الأسطوانة القديمة الأسطوانة التي بليت من سوء الاستعمال! فلنكن صرحاء .. ونطلب الاختلاط صراحة بكل ما يترتب عليه من نتائج وما ينشأ عنه من آثار.)(1) { ص 69 – 74 ( لا يا فتاة الحجاز) / محمد أحمد باشميل / الطبعة الثانية / 1380هـ / 1960م}.
تطوي الأيام تنبيه (باشميل) لنستمع لصرخت الأستاذة الدكتورة نجاح الظهار: "وإنني أؤكد أن الأقلام الرجالية التي تحرض المرأة على خوض المجالات التعليمية والوظيفية التي هي من اختصاص الرجال، وتدعوهن للاختلاط كالعمل في مجالات الإذاعة والتلفزيون، أو أعمال الفندقة أو الضيافة في الطائرات، أو شرطية مرور تقف الساعات الطويلة تحت الشمس المحرقة، أو مهندسة معمارية تخالط مستويات مختلفة من العمالة، مما يحتم عليها حسر وجهها، وإبداء زينتها كل أولئك لهم أغراض خبيثة في دواخلهم فهم إما أذناب للفكر الغربي، أو أنهم ممن يستمتعون برؤية نساء غيرهم من غير حياء أو وجل.) { جريدة المدينة العدد 14951 في 9/2/1425هـ}.
الافتراض الثاني الذي أشارت إليه الدكتورة (يستمتعون برؤية نساء غيرهم من غير حياء): نجد ما يؤكده في تلك الدهشة التي ارتسمت على (قلم) الأستاذ حمد القاضي وهو يكتب: (لم أصدق عيني وأنا اقرأ إجابة لسؤال صحفي طُرح على القاص المعروف د.عصام خوقير والعجب أولا أن السائلة امرأة والإجابة نُشرت في صفحة نسائية هي "شقائق الرجال" بجريدة المدينة عدد يوم الأربعاء 2/4/1415هـ. أما السؤال فهو بالنص: "هل تجد سعادتك عند المرأة؟" أما الجواب (الصاعقة) فهو: ما لم تكن زوجة أو حماة فنعم.) {جريدة الجزيرة العدد 8039 في 27/4/1415هـ}.
يبدو أن المخلصين والمخلصات قد بحت أصواتهم وأصواتهن في لفت النظر إلى حال المرأة تقول الأستاذة صافيناز كاظم في كتابها (رومانتيكيات) الصادر عن دار الهلال سنة 1970: (هل تعرف ما الذي يهيج حزني هذه الأيام؟ إدراكي أن تعليم المرأة لم يحولها كما يجب إلى إنسان قادر على الفهم.. مسخها إلى غول يلتهم أطفاله! ولم يكترث حتى أن يمسح فمه المدهون بالدم. المرأة تعلمت ولم تتثقف ولم تتحضر. أضاف التعليم إليها سمكا عطل حساسيتها الطبيعية وضلل العلاقة الإنسانية بينها وبين طفلها (..) أنا أعتبر أن خطوط الموضة هذه تحمل في طياتها شكلا من أشكال التخطيط السياسي لمجتمع الدولة الرأس مالية – هذا الشكل تبرزه الدعاية بكل ثقلها في أجمل إطار – يحتوي على تحبيذ اتجاه غريب لمحاولة تحنين المرأة إلى الرجوع إلى دورها القديم كمحظية.) { نقلا عن : ص 85 – 86 ( هموم المرأة العربية في القصة والرواية) / أحمد محمد عطية / القاهرة / الهيئة المصرية العامة للكتاب / 1992}.
الحقيقة أن (الغرب) – أيضا – حذرنا دون أن يقصد ذلك، وذلك حين تعالت بعض الأصوات هناك تشير إلى مساوئ التعليم المختلط. هناك (باقة) من الأفلام والمسلسلات الغربية تصور معاناة الفتيات في التعليم المختلط،وانشغال ذهن الطالبة بالزينة للفت أنظار الشباب ومعاناتها – النفسية – جراء تفضيل (شاب) لفتاة على أخرى ..إلخ. وفي الوقت الذي تثبت فيه بعض الدراسات الغربية قلة تحصيل الفتيات في التعليم المختلط للأسباب التي ذكرنا بعضها؛ نجد أن بيننا من يهاجم (الدائرة التلفزيونية المغلقة) وهي وسيلة أساسية للتعليم غير المختلط فقد كتبت الأستاذة منى الدباغ: (ما دعاني للكتابة هو الخبر المنشور في الصحف المحلية عن الحوار الوطني المفتوح، وما ذكرته جريدة الشرق الأوسط تحت عنوان "الحوار الوطني السعودي: جلسات مغلقة في مكة المكرمة ومشاركة نسائية وفي حيثيات الخبر هناك جملة لفتت انتباهي ألا وهي : - وهنا أنقل ما ذكرته الجريدة تحديدا ـ "وستكون المشاركة النسائية عبر دائرة تلفزيونية مغلقة" ومجمل تساؤلي هنا هو: هل الأمين العام للأمم المتحدة (غير سعودي) يجتمع مع المدير التنفيذي لصندوق الأم المتحدة د.ثريا عبيد (سعودية) خلال الدائرة التلفزيونية المغلقة؟ هل الإعلامي عماد الدين أديب (غير سعودي) في برنامج (على الهوا) في محطة (أوربت) خلال لقائه ببعض سيدات المجتمع السعودي (سعوديات) تم خلال الدائرة التلفزيونية المغلقة؟ (..) هل الوفد النسائي السعودي (سعوديات) إلى واشنطن تم استقبالهن في البيت الأبيض خلال الدائرة التلفزيونية المغلقة؟ أم تم استقبالهن في البيت الأبيض من باب الحريم؟!! (..) لماذا نحن وازدواجية الشخصية؟ لماذا إذا تم لقاء بين سعودي وسعودية كان هناك دائرة تلفزيونية مغلقة؟ من يخاف من من؟(..) إذا كانت عقلية بعض المجتمعين في مكة بهذه الانفصامية؛ فهم من يجب أن يتم حوارهم حتى يعودوا إلى الطريق الصحيح وليس غيرهم؛ لأنهم يحملون أكثر من شخصية وهذا بحسب علم النفس والاجتماع يعتبر (مرضا خطيرا) ولهذا لا يجب أن يمثلنا كمجتمع مثل هؤلاء المرضى.) { ملحق "الأربعاء" الصادر مع جريدة المدينة في 22/11/1424هـ}. مع أن حديثي هنا عن (الدائرة التلفزيونية) إلا أنني سوف أخرج – قليلا – للتذكير بفرحة الأستاذة فوزية أبو خالد بإقامة أمسية نسائية قصصية بأحد فنادق الرياض، وقد نقل لنا الدكتور محمد الفاضل أن الأستاذة "فوزية" أشادت: (بهذه الأمسية المختلطة من وراء حجاب تكنولوجي ) ثم تساءلت: (من كان يتصور قبل خمسة عشر عاما أن يجتمع الرجال والنساء في مكان واحد في مدينة الرياض؟) {المجلة العربية العدد 132 محرم 1409هـ}.
نعود إلى الدائرة التلفزيونية والتي تمت مهاجمتها – بأكثر من مقال – مما دفع بالدكتورة نورة السعد – حفظها الله – لتكتب مقالة تحت عنوان : "نعم للدائرة التلفزيونية المغلقة" أشارت فيها إلى أن: (روح الاستهزاء بهذه الدائرة التلفزيونية المغلقة: واضحة، وأنها من خصوصية مجتمعنا!! وكأن هذه الخصوصية عار على المجتمع، والتي في الواقع العملي تحقق للنساء في الدرجة الأولى الخصوصية والراحة في الجلوس، وأيضا متابعة علمها وثقافتها وحضورها المعرفي لم ينقص منها ولا من أدائها؛ كونها تتعلم أو تقدم محاضراتها عبر هذه الدائرة. الموضوع محل السخرية والاستهزاء في المقالتين هو: لماذا لا تظهر المرأة أمام الجمهور الذكوري بدلا من أن يستمع إلى صوتها ولا يراها!! وكي تأخذ هذه الآراء بعض التقبل لدى القارئ يغلفونها بأنها (إهانة للمرأة) وهذه هي الأرجوحة الجديدة التي يضعون عليها آرائهم علها تجد تقبلا منا – نحن النساء – والموضوع برمته (رغبات ذكورية للتمتع بمشاهدة المرأة)! وإلا فنحن النساء لم نتذمر من هذه الدائرة التلفزيونية المغلقة، ولا نرى فيها أي نقص في ذواتنا أو كينونتنا. فنحن أعزاء بديننا ونفخر بأننا حققنا نجاحاتنا ونحن نتعلم بمعزل عن الطلاب) {جريدة الاقتصادية عدد يوم الخميس 29/ 10 / 2009}.
ثم تقول الدكتورة نورة: (نعم ليس جميع من سيحضر المحاضرات مراهقين، ولكنهم أيضا ليسوا ملائكة، والأهم هو ألا نخترق المنظومة التشريعية لدينا؛ لأن بعض الأساتذة الزائرين امتعضوا لأنهم سيلقون محاضراتهم إلى "ميكروفون"وآلة تصوير.). الحقيقة أن التحجج بأن (المختلطين) ليسوا (مراهقين) ويعرفون كيف يتصرفون التصرف السليم تلك حجة تتكرر كثيرا. وقد علقت على مقالة الدكتورة نورة بالقول: (عندما يتحدثون عن كون (المختلطين) ليسوا مراهقين، فهل كان ذلك الموقف الذي نقلته الأستاذة ليلى العثمان بين كتاب مراهقين؟!! حين كتبت عن أحد مؤتمرات الأدباء: (انظري إلى تلك المرأة التي تجلس قرب الكاتب (س) تبدو مرتبكة أتراه يعابث قدمها من تحت الطاولة؟) {مجلة كل الأسرة العدد الصادر في 29/3/1417هـ}.
وأستطيع أن أضيف أيضا قول الدكتورة ثريا العريض عن كاتبة: (حققت حضورا متميزا على الساحة المحلية والعربية، ورغم ذلك شككت أكثر من مرة من الخفايا الصحفية فيما يتعلق بحضور المرأة موضحة أن "الطبطبة" ربما تكون حدثا فعليا وليس معنويا فقط) { جريدة عكاظ العدد الصادر في 9/6/1415هـ}.
وقد علقت الدكتورة نورة على تعليقي بقولها: (محمود الشنقيطي /شكرا على التعليق والقصص في هذا الجانب خطيرة، ومنها ما ذكرته لي شخصيا إحدى الشاعرات منذ أعوام أن أحد من يقال عنهم: مثقفين ونجد كتاباته دائما في كل موضوع قال لها شخصيا (إنه يعري المرأة في خياله عندما يتحدث مع أي امرأة بالهاتف حتى لو كان حديثا جادا" هل هو شاذ؟؟ أبدا هذه هي الغريزة؛ ولهذا كان الإله العالم بالخفايا يضع قيودا على اللقاءات بين الجانبين إلا بضوابط شرعية، وبوجود محرم. هذه القيود أصحاب الهوى لا يريدونها ولهذا يلوحون بأنها إهانة للمرأة).
أولا أشير إشارة صغيرة إلى إلحاح البعض على أن (المختلطين) ليسوا مراهقين، وإضافة البعض الآخر بأن المحرم شرعا هو (الخلوة) فهل من حرمت عليهم (الخلوة) هم المراهقون فقط؟! إذا كان الجواب بأن التحريم للمراهقين وغير المراهقين؛ فأين ذهب ما يسمونه (القدرة على التصرف الصحيح)؟!! نعود لمعاناة المرأة وأضيف إلى ما نقلته أختنا الكريمة الدكتورة نورة عن ذلك المثقف الذي (يعري) المرأة في (خياله)! أولا : هذه هي المرة الثانية – في حياتي – التي أقرأ هذه العبارة، وقد قرأتها لأول مرة في إحدى الروايات حيث ردد المؤلف العبارة نفسها (عراها في خياله)!! ثانيا : لا يمكن لأحد أن يقوم بحصر معاناة المرأة وقد أُخبرت عن دكتور – كبير في السن والمقام – يخاطب الطالبات – عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة – بعبارات (خارجة) ثم يصحح العبارة قائلا: أقصد افتحوا الكتب!! ويسأل أحيانا إن كان الشكل جميلا مثل الصوت؟!!! هنا سوف أخرج قليلا عن الموضوع؛ فأذكر تعليقا لإحدى الأخوات على عبارة وردت في أحد كتب الفقه، ـ حققت تلك الأخت كتابا في الفقه الشافعي ـ وحين وصلت إلى قول المؤلف: (فإن أحدث ولم يجنب) كتبت في الهامش مثالا أعجز – ولا أرغب – وأخجل من ذكره!! ويزداد الأمر سوءا حين نعلم أن المشرف على الرسالة (رجل) وقد نوقشت الرسالة من قبل (رجال)! فما الذي جعلنا نضع تلك الأخت في ذلك الموقف؟!! يبدو أنني أخطأت فأنا لم أخرج عن الموضوع. إذا كان المجتمع أو كثير من الناس قد رفضوا تعليم المرأة في بداية الأمر، ثم تقرر أن تعليم المرأة سوف يكون خاليا من الاختلاط! كيف إذا لم نضع خطة طويلة المدى لتأهيل كوادر نسائية تغني عن تعليم الرجل للمرأة مباشرة، أو من وراء (حجاب تكنولوجي) – حسب تعبير الأستاذة فوزية أبو خالد – أي عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة؟!! فهل غفلنا عن وضع تلك (الاستراتيجية) أو الخطة أم أن النية للاختلاط كانت مبيتة؟!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق