أ. حديبى المدنى
إن شمــس النهــار تغــرب بليـل... و شمـس القلـوب ليسـت تغيــب
من المحراب يبدأ سيرنا(1):
يقول تاج الربانيين:ابن عطاء الله السكندري:
(قوم تسبق أنوارهم أذكارهم، وقوم تسبق أذكارهم أنوارهم، وقوم تتساوى أذكارهم وأنوارهم، وقوم لا أذكار ولا أنوار نعوذ بالله من ذلك، ذاكر ذكر ليستنير قلبه فكان ذاكرا، وذاكر استنار قلبه فكان ذاكرا والذي استوت أذكاره وأنواره فبذكره يهتدي وبنوره يقتدي..أكرمك ثلاث كرامات، جعلك ذاكرا له، و لولا فضله لم تكن أهلا لجريان ذكره عليك، و جعلك مذكورا به إذ حقق نسبته لديك، و جعلك مذكورا عنده ليتم نعمته عليك.)
يقول الإمام الملهم الشهيد:
..أنتم قليل مستضعفون في الأرض، فقراء من المال، عزّل من القوة، فليس لكم من سلاح إلا الصلة بالله والاستمداد منه والإيمان العميق به، فإذا سلمت لكم هذه الناحية فقد سلم لكم كل شيء: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 160)، فاجتهدوا أن تكونوا كذلك ولا تقولوا كيف؟ فالطريقة واضحة، كونوا عبادًا قبل أن تكونوا قوادًا، فستصل بكم العبادة إلى أفضل قيادة، واحذروا أن تعكسوا القضية كما يفعل الناس، يطلبون القيادة قبل أن تسلم لهم ناحية العبادة فيخضعون أو يصلون فيضطربون، وأشربوا نفوسكم الحديث القدسي: مَن آذى لي وليًا فقد آذنته بالحرب.. وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه" (أخرجه البخاري). ففي قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (النور: من الآية 55).
فحيهلا إن كنت ذا همة فقد حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا وقل لمنادي حبهم ورضاهم إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا ولا تنظر الأطلال من دونهم فإن نظرت إلى الأطلال عدن حوائلا ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا وخذ منهم زادا إليهم وسر على طريق الهدى والفقر تصبح واصلا وخذ قبسا من نورهم ثم سر به فنورهم يهديك ليس المشاعلا وحي على جنات عدن بقربهم منازلك الأولى بها كنت نازلا ولكن سباك الكاشحون لأجل ذا وقفت على الأطلال تبكي المنازلا
فدعها رسوما دارسات فما بها مقيل فجاوزها فليست منازلا رسوم عفت يفنى بها الخلق كم بها قتيل ؟ وكم فيها لذا الخلق قاتلا وخذ يمنة عنها على المنهج الذي عليه سرى وفد المحبة آهلا وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة فعند اللقا ذا الكد يصبح زائلا فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا
الأوراد الربانية:هي غذاء العبودية وزاد الروح وقوت القلوب والأنوار التي نقتبس منها النصر والثبات والتمكين..ولأمر ما كان القائد الرباني صلاح الدين الأيوبي يتفقد جنده.. فالخيمة التي لا يسمع فيها تلاوة أو ذكر أو قيام أو دعاء...يقول عنها:من هنا ستأتيننا الهزيمة..أو سنؤتى من قبل هذه الخيمة..!
يقول الشيخ سعيد حوى رحمه الله:
الورد: هو ما رتبته على نفسك من أنواع الطاعات والعبادات.
والوارد: هو ما يكرم الله عز وجل به قلبك من فيوضات و أنوار ومعان ولطائف..
إن الله عز وجل فرض على المسلم فرائض متنوعة، وطالبه بأعمال كثيرة؛ لأن القلب البشري يحتاج إلى أنواع من الواردات المتعددة؛ فلكل عمل آثاره في القلب إذا صحت النية، وصلاح القلب بالقيام بالأعمال كلها، فكل عمل يخلف نوعا من الأحوال في القلب وكل حال يحتاج إلى نوع من العمل الصالح حتى يكون...!
وقال ابن عطاء: من علامات اتساع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بالواجبات. أقول: في ذلك إشارة إلى أن المسلم عليه ألا يفرط في فريضة على حساب نافلة، وهي قضية يغفل عنها أكثر الخلق، فأكثر الخلق يجهلون فرائض الوقت – وما أكثرها – ويستغرقون بأمور هي من باب المباحات، وبعضها من باب البدع، ويظنون أنفسهم أنهم يحسنون صنعا.
شرارة الإبداع والإيجابية تنطلق من مسجد ومحراب:
كثير من إخواننا يشتكون سلبية وكسلا وفتورا ورتابة وروتينا..والعلاج السريع والحاسم لهذه الأمراض هو تقوية الصلة بالله وإمداد القلب بالماء الطيب:الذي هو الآثار النورانية للدورات الروحية والأوراد الربانية اليومية..
خذ مثلا المحافظة على صلاة الفجر جماعة بالمسجد وأثرها القوي في تزويدنا بالحيوية والنشاط والبركة والفورية والفعالية والإيجابية:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد ،فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) ( متفق عليه )
إنها غنيمة حسية مهمة، أثرها ظاهر بل باهر ، وفائدتها أكيدة بل فريدة ، تأمل معي قوله – صلى الله عليه وسلم - فيمن ذكر وتطهر وصلى الفجر: ( أصبح نشيط النفس ) إن افتتاح اليوم بالذكر والطاعة يجعلك منشرح الصدر ، طيّب الخاطر، قوي العزم ، متجدد النشاط ، تنطلق وفي محياك وسامة ، وعلى ثغرك ابتسامة ، وينفرج –بإذن الله – كربك ، ويزول-بعون الله- همّك ، وترى من نفسك على الخير إقبالاً، وللطاعة امتثالاً، وتجد الأمور ميسرة، والصعاب مذللة، يلقاك التوفيق مع بشائر النهار، ويصحبك النجاح في سائر الأحوال.
وانظر - أخي- إلى من حرم هذه النعمة ، وفاتته تلك المنة .. انظر إليه وقد أصبح في غفلة فإذا هو " خبيث النفس كسلان" ، لا يصحوا إلا متثاقلاً ، وتراه مكدر الخاطر ، ضيق الصدر ، فاتر العزم ، تنظر إليه فكأنما جمع همَّ الدنيا بين عينيه ، وكثيراً ما تتعسر أموره ، وتتعثر مقاصده ، إنه يكون خبيث النفس بسبب" إتمام خديعة الشيطان عليه" ويكون كسلاناً أي متثاقلاً عن الخيرات لا تكاد تسخو نفسه ولا تخف عليها صلاة ، ولا غيرها من القربات ، وربما يحمله ذلك إلى تضييع الواجبات .
يقول صاحب المسار:
كلا، بل علينا أن نوازن ولا نجعل اللبث في المساجد ضامرًا، فإن خريج المسجد غالبا ما يكون عاقلا رزنا مترويا، ذائقا لثمرات الإيمان، ذاتي الاندفاع، ليس بالمطيع فقط، ولكنه المبتكر، ولا السائر بحركة مسيرة أصحابه فحسب، ولكنه المتقدم الحادي.
كأننا أيها الإخوة نلمس تكبرا على المسجد عند بعض جدد المصلين المثقفين والجامعيين، يدخلونه وقت الفرض فقط، ويأنسون بالمجالس خارجه، وربما كانت هذه الظاهرة ناتجة عن الدعاية العرفية التي تعلي مكانة الجامعة في تطوير المجتمع، فتأخذ طالبها وخريجها نشوة جاهلية تختلط بصلاته، ومن اللائق أن نرده إلى قيمته الحقيقية، وأن ندله على طريق البداية الإيمانية الذي لا بد وأن يمر بالمسجد طويلا.
إن العيش في المجتمع العام، والتفاعل مع أحداثه، قد يستهلكان المخزون الإيماني الذي يملكه المدعو، فيقف عطاؤه عند حد ويفلس، وعلاج ذلك: أن نجعل له موردا دائما تتكفل به حياة المسجد، وما فيها من سكون وصفاء نفس، ورحمة متنزلة وإلهام.
إن الأعمال اليومية التي ينشغل المدعو بها، كالانتخابات الطلابية والرحلات وأمثالها، إنما هي وسيلة لا غاية، ولا يرتقي فهم المدعو لطبيعتها إلى درجة فهمنا، وقد ينغمس فيها انغماسا كاملا لا يبقى له وقتا لتربية نفسه على معاني الإيمان فيتربى سياسيًا وعمليا دون أن يكافئ ذلك جانب من العمل الفقهي، والرسوخ الخلقي، والتطوع العبادي، وهذه الحالة تتيح لك الانتفاع منه وقتيا وتعدم عليك الانتفاع منه في المستقبل، إذ سينشأ جافًا، تعوزه رقة القلب،..
من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية:
هذا الشيخ العلامة ابن تيمية رحمه الله:يصلي الفجر...ويمكث يذكر الله إلى أن تتعالى الشمس..ويقول:لولا هذه الجلسة لخارت قوتي ولضعفت نفسي...
فانظر رحمك الله:إلى أهمية الذكر بعد صلاة الصبح وأثره في الثبات والإيجابية والفورية والمبادأة والحفظ من التساقط على طريق الدعوة..!
..إن كانت هذه طريقتكم فما أعجزها عن الوصول إلى ما تريدون:
وتأمل معي قصة الشيخ الرباني مع الإمام المجدد:حسن البنا:
رأيته شيخًا أشيب قد اجتاز مراحل العمر، وخطا إلى الآخرة، جلست إليه في صفح نهار، في صفاء من الوقت، وغفوة من الزمن، ورقة في الروح، وقد أشرق محياه يلمع بالصلاح والتقوى وصلة القلب بالله، وإن كان مغمورًا في طوايا المجتمع، خامل الذكر بين الناس تحدثتُ إليه فقال:
ما اسم جمعيتكم؟ قلت له: إننا لسنا جمعية، ولكن إخوان في الله فقط نجتمع على عقيدة وفكرة ونحاول أن نحققها في أنفسنا، ثم نقنع بها الناس، وليست فكرتنا إلا أن تفهم الإسلام والعمل به وحمل الناس عليه!
هل تقوم الليل؟!:
قال: جميل. ومن يدرس لكم في داركم؟ قلت له: قد أتحدث إلى الإخوان في كثير من الأحيان، فسكت هنيهة ثم رفع إليَّ بصره وسأل وهل تقوم الليل؟ قلت له: وماذا تنتظر في جواب على سؤالك هذا؟ أنفسنا بيد الله إن شاء بعثها وإن شاء أمسكها! فقال: صدق الله ورسوله وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً.
يا أخي: إن تربية الأرواح وتزكية النفوس وقيادة القلوب، لا تأتي بهذه الألفاظ تردد، ولا بتلك القواعد تدرس، ولا بالنظريات تلقى، وإن هذه إن أفادت العقل والعلم فإنها بمعزل عن الشعور والروحانية والخلق، وإن الجماعات في حاجة إلى أرواحها وأخلاقها أولاً، وإن هؤلاء الذين يحاولون الصلاح الخلقي عن طريق الكتب وحدها مخدوعون خادعون، فإن كانت هذه طريقتكم فما أعجزها عن الوصول إلى ما تريدون.
ليس هذا الصلاح النفساني الذي تنشدون إلا طريقًا واحدةً؛ طريق القدوة الحسنة الموصولة بالله المستمدة من فيضه وفضله وليس لهذه القدوة إلا مكابدة الليل، ومصاحبة القيام، والمناجاة في الغسق، وأنت تقرأ القرآن وتسمع قول الله تبارك وتعالى:﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)﴾ (المزمل).
فاقد الشيء لا يعطيه:
فاقد الشيء لا يعطيه، والقلب المنقطع الصلة بالله كيف يسير بالخلق إليه، والتاجر الذي لا يملك رأس المال من أين يربح، والمعلم الذي لا يعرف منهاجه كيف يدرسه لسواه، والعاجز عن قيادة نفسه كيف يقود غيره، ما أشد حاجتكم إلى هذا الصنف من الجهاد؟ إن استطعت أن يكون هذا هو كل ما تحمل عليه من عاهدوك على العمل فهو نجاح ما بعده نجاح، ولقد كان أصحاب محمد رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار أفترى إحداهما انفكت عن الأخرى؟
يا أخي: اجتهد ما استطعت أن تغترف من ذخائر الليل ما توزعه على إخوانك بالنهار، ثم استأذن وقام يتوكأ على عصاه وانساب في هذا المزدحم من الناس، وما زلت أشيعه بقلب واعٍ حتى غاب...!
النقطة العملية لتجسيد هذه المعاني الربانية التي كنا ندندن حولها:
هو إقامة دورة روحية:في ظلال العشر الأولى من ذي الحجة:
1-صيام التسع من ذي الحجة..أو على الأقل:صيام يوم عرفة.. صيام جماعي وإفطار جماعي..وقيام أو تهجد جماعي.
2-المحافظة على الصلوات الخمس جماعة بالمسجد...وخاصة صلاة الفجر.
3-ختم القرآن:تلاوة وفهما وتدبرا وخشوعا ودموعا...
4-المكث بالمسجد بعد صلاة الفجر:للذكر القلبي واللساني...ثم نصلي ركعتي الإشراق..
5-المحافظة على النوافل بالبيت:على الأقل:اثنتا عشرة ركعة..وصلاة الضحى والتسابيح...
6-مطالعة كتب الرقائق:تهذيب المدارج..أو شرح الحكم العطائية..أو رد إلي روحي:د.خالد أبو شادي.
7-الاستغفار بالأسحار...والمناجاة والدعاء..
...يتبع...
يقول الإمام الملهم الشهيد:
..أنتم قليل مستضعفون في الأرض، فقراء من المال، عزّل من القوة، فليس لكم من سلاح إلا الصلة بالله والاستمداد منه والإيمان العميق به، فإذا سلمت لكم هذه الناحية فقد سلم لكم كل شيء: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 160)، فاجتهدوا أن تكونوا كذلك ولا تقولوا كيف؟ فالطريقة واضحة، كونوا عبادًا قبل أن تكونوا قوادًا، فستصل بكم العبادة إلى أفضل قيادة، واحذروا أن تعكسوا القضية كما يفعل الناس، يطلبون القيادة قبل أن تسلم لهم ناحية العبادة فيخضعون أو يصلون فيضطربون، وأشربوا نفوسكم الحديث القدسي: مَن آذى لي وليًا فقد آذنته بالحرب.. وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه" (أخرجه البخاري). ففي قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (النور: من الآية 55).
فحيهلا إن كنت ذا همة فقد حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا وقل لمنادي حبهم ورضاهم إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا ولا تنظر الأطلال من دونهم فإن نظرت إلى الأطلال عدن حوائلا ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا وخذ منهم زادا إليهم وسر على طريق الهدى والفقر تصبح واصلا وخذ قبسا من نورهم ثم سر به فنورهم يهديك ليس المشاعلا وحي على جنات عدن بقربهم منازلك الأولى بها كنت نازلا ولكن سباك الكاشحون لأجل ذا وقفت على الأطلال تبكي المنازلا
فدعها رسوما دارسات فما بها مقيل فجاوزها فليست منازلا رسوم عفت يفنى بها الخلق كم بها قتيل ؟ وكم فيها لذا الخلق قاتلا وخذ يمنة عنها على المنهج الذي عليه سرى وفد المحبة آهلا وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة فعند اللقا ذا الكد يصبح زائلا فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا
الأوراد الربانية:هي غذاء العبودية وزاد الروح وقوت القلوب والأنوار التي نقتبس منها النصر والثبات والتمكين..ولأمر ما كان القائد الرباني صلاح الدين الأيوبي يتفقد جنده.. فالخيمة التي لا يسمع فيها تلاوة أو ذكر أو قيام أو دعاء...يقول عنها:من هنا ستأتيننا الهزيمة..أو سنؤتى من قبل هذه الخيمة..!
يقول الشيخ سعيد حوى رحمه الله:
الورد: هو ما رتبته على نفسك من أنواع الطاعات والعبادات.
والوارد: هو ما يكرم الله عز وجل به قلبك من فيوضات و أنوار ومعان ولطائف..
إن الله عز وجل فرض على المسلم فرائض متنوعة، وطالبه بأعمال كثيرة؛ لأن القلب البشري يحتاج إلى أنواع من الواردات المتعددة؛ فلكل عمل آثاره في القلب إذا صحت النية، وصلاح القلب بالقيام بالأعمال كلها، فكل عمل يخلف نوعا من الأحوال في القلب وكل حال يحتاج إلى نوع من العمل الصالح حتى يكون...!
وقال ابن عطاء: من علامات اتساع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بالواجبات. أقول: في ذلك إشارة إلى أن المسلم عليه ألا يفرط في فريضة على حساب نافلة، وهي قضية يغفل عنها أكثر الخلق، فأكثر الخلق يجهلون فرائض الوقت – وما أكثرها – ويستغرقون بأمور هي من باب المباحات، وبعضها من باب البدع، ويظنون أنفسهم أنهم يحسنون صنعا.
شرارة الإبداع والإيجابية تنطلق من مسجد ومحراب:
كثير من إخواننا يشتكون سلبية وكسلا وفتورا ورتابة وروتينا..والعلاج السريع والحاسم لهذه الأمراض هو تقوية الصلة بالله وإمداد القلب بالماء الطيب:الذي هو الآثار النورانية للدورات الروحية والأوراد الربانية اليومية..
خذ مثلا المحافظة على صلاة الفجر جماعة بالمسجد وأثرها القوي في تزويدنا بالحيوية والنشاط والبركة والفورية والفعالية والإيجابية:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد ،فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) ( متفق عليه )
إنها غنيمة حسية مهمة، أثرها ظاهر بل باهر ، وفائدتها أكيدة بل فريدة ، تأمل معي قوله – صلى الله عليه وسلم - فيمن ذكر وتطهر وصلى الفجر: ( أصبح نشيط النفس ) إن افتتاح اليوم بالذكر والطاعة يجعلك منشرح الصدر ، طيّب الخاطر، قوي العزم ، متجدد النشاط ، تنطلق وفي محياك وسامة ، وعلى ثغرك ابتسامة ، وينفرج –بإذن الله – كربك ، ويزول-بعون الله- همّك ، وترى من نفسك على الخير إقبالاً، وللطاعة امتثالاً، وتجد الأمور ميسرة، والصعاب مذللة، يلقاك التوفيق مع بشائر النهار، ويصحبك النجاح في سائر الأحوال.
وانظر - أخي- إلى من حرم هذه النعمة ، وفاتته تلك المنة .. انظر إليه وقد أصبح في غفلة فإذا هو " خبيث النفس كسلان" ، لا يصحوا إلا متثاقلاً ، وتراه مكدر الخاطر ، ضيق الصدر ، فاتر العزم ، تنظر إليه فكأنما جمع همَّ الدنيا بين عينيه ، وكثيراً ما تتعسر أموره ، وتتعثر مقاصده ، إنه يكون خبيث النفس بسبب" إتمام خديعة الشيطان عليه" ويكون كسلاناً أي متثاقلاً عن الخيرات لا تكاد تسخو نفسه ولا تخف عليها صلاة ، ولا غيرها من القربات ، وربما يحمله ذلك إلى تضييع الواجبات .
يقول صاحب المسار:
كلا، بل علينا أن نوازن ولا نجعل اللبث في المساجد ضامرًا، فإن خريج المسجد غالبا ما يكون عاقلا رزنا مترويا، ذائقا لثمرات الإيمان، ذاتي الاندفاع، ليس بالمطيع فقط، ولكنه المبتكر، ولا السائر بحركة مسيرة أصحابه فحسب، ولكنه المتقدم الحادي.
كأننا أيها الإخوة نلمس تكبرا على المسجد عند بعض جدد المصلين المثقفين والجامعيين، يدخلونه وقت الفرض فقط، ويأنسون بالمجالس خارجه، وربما كانت هذه الظاهرة ناتجة عن الدعاية العرفية التي تعلي مكانة الجامعة في تطوير المجتمع، فتأخذ طالبها وخريجها نشوة جاهلية تختلط بصلاته، ومن اللائق أن نرده إلى قيمته الحقيقية، وأن ندله على طريق البداية الإيمانية الذي لا بد وأن يمر بالمسجد طويلا.
إن العيش في المجتمع العام، والتفاعل مع أحداثه، قد يستهلكان المخزون الإيماني الذي يملكه المدعو، فيقف عطاؤه عند حد ويفلس، وعلاج ذلك: أن نجعل له موردا دائما تتكفل به حياة المسجد، وما فيها من سكون وصفاء نفس، ورحمة متنزلة وإلهام.
إن الأعمال اليومية التي ينشغل المدعو بها، كالانتخابات الطلابية والرحلات وأمثالها، إنما هي وسيلة لا غاية، ولا يرتقي فهم المدعو لطبيعتها إلى درجة فهمنا، وقد ينغمس فيها انغماسا كاملا لا يبقى له وقتا لتربية نفسه على معاني الإيمان فيتربى سياسيًا وعمليا دون أن يكافئ ذلك جانب من العمل الفقهي، والرسوخ الخلقي، والتطوع العبادي، وهذه الحالة تتيح لك الانتفاع منه وقتيا وتعدم عليك الانتفاع منه في المستقبل، إذ سينشأ جافًا، تعوزه رقة القلب،..
من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية:
هذا الشيخ العلامة ابن تيمية رحمه الله:يصلي الفجر...ويمكث يذكر الله إلى أن تتعالى الشمس..ويقول:لولا هذه الجلسة لخارت قوتي ولضعفت نفسي...
فانظر رحمك الله:إلى أهمية الذكر بعد صلاة الصبح وأثره في الثبات والإيجابية والفورية والمبادأة والحفظ من التساقط على طريق الدعوة..!
..إن كانت هذه طريقتكم فما أعجزها عن الوصول إلى ما تريدون:
وتأمل معي قصة الشيخ الرباني مع الإمام المجدد:حسن البنا:
رأيته شيخًا أشيب قد اجتاز مراحل العمر، وخطا إلى الآخرة، جلست إليه في صفح نهار، في صفاء من الوقت، وغفوة من الزمن، ورقة في الروح، وقد أشرق محياه يلمع بالصلاح والتقوى وصلة القلب بالله، وإن كان مغمورًا في طوايا المجتمع، خامل الذكر بين الناس تحدثتُ إليه فقال:
ما اسم جمعيتكم؟ قلت له: إننا لسنا جمعية، ولكن إخوان في الله فقط نجتمع على عقيدة وفكرة ونحاول أن نحققها في أنفسنا، ثم نقنع بها الناس، وليست فكرتنا إلا أن تفهم الإسلام والعمل به وحمل الناس عليه!
هل تقوم الليل؟!:
قال: جميل. ومن يدرس لكم في داركم؟ قلت له: قد أتحدث إلى الإخوان في كثير من الأحيان، فسكت هنيهة ثم رفع إليَّ بصره وسأل وهل تقوم الليل؟ قلت له: وماذا تنتظر في جواب على سؤالك هذا؟ أنفسنا بيد الله إن شاء بعثها وإن شاء أمسكها! فقال: صدق الله ورسوله وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً.
يا أخي: إن تربية الأرواح وتزكية النفوس وقيادة القلوب، لا تأتي بهذه الألفاظ تردد، ولا بتلك القواعد تدرس، ولا بالنظريات تلقى، وإن هذه إن أفادت العقل والعلم فإنها بمعزل عن الشعور والروحانية والخلق، وإن الجماعات في حاجة إلى أرواحها وأخلاقها أولاً، وإن هؤلاء الذين يحاولون الصلاح الخلقي عن طريق الكتب وحدها مخدوعون خادعون، فإن كانت هذه طريقتكم فما أعجزها عن الوصول إلى ما تريدون.
ليس هذا الصلاح النفساني الذي تنشدون إلا طريقًا واحدةً؛ طريق القدوة الحسنة الموصولة بالله المستمدة من فيضه وفضله وليس لهذه القدوة إلا مكابدة الليل، ومصاحبة القيام، والمناجاة في الغسق، وأنت تقرأ القرآن وتسمع قول الله تبارك وتعالى:﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)﴾ (المزمل).
فاقد الشيء لا يعطيه:
فاقد الشيء لا يعطيه، والقلب المنقطع الصلة بالله كيف يسير بالخلق إليه، والتاجر الذي لا يملك رأس المال من أين يربح، والمعلم الذي لا يعرف منهاجه كيف يدرسه لسواه، والعاجز عن قيادة نفسه كيف يقود غيره، ما أشد حاجتكم إلى هذا الصنف من الجهاد؟ إن استطعت أن يكون هذا هو كل ما تحمل عليه من عاهدوك على العمل فهو نجاح ما بعده نجاح، ولقد كان أصحاب محمد رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار أفترى إحداهما انفكت عن الأخرى؟
يا أخي: اجتهد ما استطعت أن تغترف من ذخائر الليل ما توزعه على إخوانك بالنهار، ثم استأذن وقام يتوكأ على عصاه وانساب في هذا المزدحم من الناس، وما زلت أشيعه بقلب واعٍ حتى غاب...!
النقطة العملية لتجسيد هذه المعاني الربانية التي كنا ندندن حولها:
هو إقامة دورة روحية:في ظلال العشر الأولى من ذي الحجة:
1-صيام التسع من ذي الحجة..أو على الأقل:صيام يوم عرفة.. صيام جماعي وإفطار جماعي..وقيام أو تهجد جماعي.
2-المحافظة على الصلوات الخمس جماعة بالمسجد...وخاصة صلاة الفجر.
3-ختم القرآن:تلاوة وفهما وتدبرا وخشوعا ودموعا...
4-المكث بالمسجد بعد صلاة الفجر:للذكر القلبي واللساني...ثم نصلي ركعتي الإشراق..
5-المحافظة على النوافل بالبيت:على الأقل:اثنتا عشرة ركعة..وصلاة الضحى والتسابيح...
6-مطالعة كتب الرقائق:تهذيب المدارج..أو شرح الحكم العطائية..أو رد إلي روحي:د.خالد أبو شادي.
7-الاستغفار بالأسحار...والمناجاة والدعاء..
...يتبع...
0 التعليقات:
إرسال تعليق