مسعود كورتس: أغني لأجل الإنسانية


مجموعة صغيرة من التجار المسلمين يركبون سفينة ويمرون بها على إحدى الجزر البعيدة عن بلادهم للتجارة، والدعوة إلى الإسلام، وهم ينشدون الأغنية الأشهر في التراث الإسلامي "البردة المحمدية"، لوحة كلاسيكية من الماضي استدعاها المنشد المقدوني "مسعود كورتس" ذو الأصول التركية في كليب رائع لاقى قبولا كبيرا على الرغم من أنه "الفيديو كليب" الأول له.
بعدها ينطلق "كورتس" محاولا الإضافة في هذه المساحة من الغناء الديني العصري الممزوج برسالة أكثر إنسانية، وأزيد في الاحترافية والتي يعتبرها "كورتس" كلمة السر للوصول إلى شرائح غير متدينة أو مسلمة، معتبرا الغناء رسالة سامية يستطيع أن يوصل من خلالها القيم الإنسانية التي يحتويها الإسلام إلى الإنسان.. والإنسان وفقط.

مع مسعود نغوص في هذا الحوار لنستكشف رحلته وتفاصيل مشروعه الغنائي الإسلامي الإنساني، وفيما يلي نص الحوار:

ألبوم الحبيب

* في البداية الكثير يود أن يعرف أكثر عن مغني "البردة" مسعود كورتس؟

- ولدتُ في مدينة سكوبي بمقدونيا في عام 1981 لعائلة ترجع جذورها إلى تركيا، جَدْيِّ كان من العلماء الأتراك ذوي المكانة الدينية المعروفة، وعلى يديه تعلمت أن الغناء ذا اللحن والكلام الجيد يقوي النفس ويهذبها، أمضيتُ وقتا طيبا في مدرستي التي حفزتني على اكتشاف قدراتي ومواهبي، واكتشفت فيها مدى قربي من الموسيقى، بعدها أدركتُ جيدا أن صلة روحية عظيمة تجمع بيني وبين هذا العالم الخيالي ذي الأصوات الرائعة، والألحان السماوية التي كان قلبي يخشع لها، وتكاد تدمع لها عيناي حينما كنت أقترب وأنا صغير من حلقة ذكر تنشد بعض الأغاني التركية القديمة المعروفة.

ومن ثم بدأت في إنشاد الأغاني مع مجموعات صغيرة بالمساجد المحلية، والمؤتمرات التي كانت تُعقد بمدينتي، خصوصا بعد اكتشاف أصدقائي وزملائي قدرتي على أداء الأناشيد.

بعدها درست في جامعة "سكوب" الدراسات الإسلامية، ثم تأهلت بعدها للحصول على شهادة في العلوم الإنسانية والإسلامية من إحدى الجامعات البريطانية، وأنا أتمنى من الله أن أُكمل دراساتي العُليا، وإكمال مشواري الاحترافي الغنائي.



* أنت في الطريق لإصدار ألبومك الثاني الحبيب " beloved"، هل يحتوي على شيء مختلف بعيدا عن الأغاني التراثية كالأغنية التي شهرتك كثيرا في العالم العربي وهي أغنية "البردة"؟

- الألبوم يصدر بنسختين إحداهما بالموسيقى، والثانية دون موسيقى، كما يحتوي على 12 أنشودة مختلفة الإيقاعات واللغات، والألبوم تم تسجيله في العديد من الدول منها بريطانيا، وكندا، والسويد، وتركيا، ومصر.

تعاملت في هذا الألبوم مع فنانين آخرين في تلحين وأداء الأناشيد، منهم سامي يوسف الذي ساعدني في تلحين أنشودة "الحبيب"، كما شاركني عرفان مكي وهو فنان من شركة وايكنينج، في كتابة وتلحين وأداء أنشودة "شكرا لله" وأيضا ماهر زين وهو فنان آخر من نفس الشركة، ويشاركني في أداء أنشودة "Never forget" والتي سبق أن أديتها في ألبومي السابق "صلوات" لكن هذه المرة بتوزيع جديد.

في الألبوم أيضا الأنشودة العريقة "وديلي سلامي" للمنشد أبو محمود الترمذي، وأنشودة "الحجاب" من تلحين الفنان والملحن المصري حمزة نمرة، الألبوم يحتوي أيضا على مجموعة من الأغاني الأخرى التي تأخذ الطابع الإنساني مثل أغنية "أمنيتي لهذا العالم".. "My Wish for the World".

جمهور نخبوي

* بخلاف المنشدين الإسلاميين التقليديين نلاحظ أن المنشدين غير العرب هم الأكثر نجاحا والأكثر وصولا للجمهور، أبرز الأمثلة سامي يوسف، وأنت، برأيك لماذا؟

- نحن الذين نعيش في أوروبا لاحظنا أن المنشدين التقليديين سواء في البلاد العربية أو عندنا في تركيا أو في البلاد الإسلامية غير الناطقة باللغة العربية، يختارون الكلمات الصعبة في الوصول للشارع، وبالتالي يظل جمهورهم نخبويا.

نحن رأينا أننا حتى ولو اخترنا كلمات من التراث لابد أن تتوفر فيها البساطة والسهولة، وأن تكون الألحان جديدة متوافقة مع شباب يسمع موسيقى الراب والبلاك ميتال وغيرها من أصناف الموسيقى الغربية، بل حتى ولو استعنا بلحن قديم علينا أن نقوم بخلط ومزج ملائم بين الألحان القديمة والجديدة، لدرجة أننا قمنا باستخدام ثلاث مقامات مختلفة في نفس الأغنية لتقديمها بشكل عصري مناسب.




* برأيك ما الذي يحتاجه المنشدون الإسلاميون لكي يستقطبوا جمهورا أعرض غير الجمهور الملتزم والمتدين؟ بل والوصول حتى للجمهور الغربي، خاصة أن جزءا من المنشدين يغني بلغات أجنبية كالإنجليزية؟

- كلمة السر هي الجودة، الجودة منظومة كاملة تتمثل في عدة أشياء من بينها الأغنية، والمغني، والألحان المميزة غير التقليدية، وشركة الإنتاج التي تقوم بالدعم المادي، والفني، والتسويق، والإعلان، لو سقط من هذه المنظومة جزء فشلت المنظومة بأكملها.

الأهم من ذلك كله هو طريقة التقديم، وبالفعل شركات الإنتاج ساعدتنا في ذلك كثيرا فبدلا من الاقتصار على الشكل الكلاسيكي في تقديم الأغاني بدأنا في تجاوز ذلك وتخطي هذا الإطار إلى شكل الفيديو كليب على سبيل المثال للوصول بشكل أكثر حداثة إلى جمهور أعرض.

* "الحبيب" و"لا تنسى" و"البردة المحمدية" كلها أغان من نفس الإطار "الصوفي أو "التراث الإسلامي" برأيك هل تعتبر كورتس يحاول إنجاز عصرنة وتحديث للتراث الصوفي؟

- تستطيع أن تقول إن ذلك جزء من رسالتي، وإن كنت أنا شخصيا ما حضرت المجالس الصوفية، ولا أتأثر بها على المستوى الشخصي، لكن في جزء من المكون الثقافي لدينا مرده التأثير الصوفي، خصوصا في الأخلاقيات والسلوك، بينما على المستوى الفقهي فمعظم الأتراك يدينون بالمذهب الحنفي.

بالإضافة إلى أن هناك نقصا في تقديم الغناء أو الإنشاد الصوفي، ونحن حاولنا أن نغير في شكل تقديمه بجودة عالية ومهنية واحترافية، ومحاولة إعادة هذا التراث إلى الوجود مرة أخرى لكن بشكل مستساغ ومقبول، والأهم بشكل ينافس ويتجاوز الغناء التجاري الموجود.

وصفة النجاح الحقيقية لوصول هذا التراث الجيد إلى الشارع مرة أخرى تكمن في اختيار الكلمات البسيطة السهلة، والخلط الجيد بين الألحان القديمة والألحان الجديدة، وعدم الاعتماد على الشكل الكلاسيكي في الألحان، بل تقديمها بصورة عصرية تناسب ذوق جمهور يستمع كل يوم للمختلف الآتي إليه من الشرق والغرب.

الغناء الإنساني

* ولماذا تحصر نفسك فقط في الأداء الديني والتراثي، لماذا لا يصبح لدينا المغني ذو الرؤية الإسلامية، يغني بشكل إنساني يستطيع أن يصل بذلك إلى العالم بأكمله؟

- لست مقتصرا على اللون الديني، موسيقاي تعبر عن الحياة وفلسفتها، وحقيقة أنا لا أجد اختلافا بين الرسالة الإسلامية والرسالة الإنسانية، فالصدق والمحبة والسلام ونبذ العنف والحروب، كل هذه القيم هي قيم إنسانية، وفي نفس الوقت هي قيم إسلامية، لكن يبقى الحديث كيف تصل هذه الرسالة إلى العالم، قدم ما تغنيه بشكل جيد وعصري وسيسمعك الملايين من البشر في أنحاء العالم، من بوذيين ومسلمين وهندوس ومسيحيين، في الألبوم الثاني لي أغنية بعنوان "أمنيتي لهذا العالم" في هذه الأغنية أتمنى للعالم أن يخلو من المشاكل والنزاعات، هذا الأغنية مثلا خارج الإطار الديني التقليدي.

* ساحة النشيد الإسلامي في الدول العربية كيف تقيم تلك التجربة؟

- قديما كان المنشدون الإسلاميون أمثال: زين العابدين الكحكي وأبو راتب وأبو مالك وغيرهم كان همهم أن يصلوا بما يقدمونه لجمهور بعينه، لم يكن همهم أن يقدموا فنا للجميع، ونفس الشيء كان عندنا في تركيا، المنشدون هناك لم يتحدثوا في موضوعات واقعية، بل تكلموا في الجهاد وفي الأخلاق، أو قاموا بوضع أغان تُنشد في الأفراح، وتوقفوا عند هذا الحد، ولم يكن في اعتبارهم الانطلاق والخروج إلى فضاء أرحب وأوسع سواء بخطاب مختلف، أو بشكل أحدث.

اليوم يحدث العكس، فأنا أرى أن قنوات كثيرة فُتحت لتشجيع الإنشاد الإسلامي، وصار الكثير من منشدي العالم العربي يقومون بتصوير أغانيهم من خلال الفيديو كليب، وهو ما يجعلني أرى مستقبل الغناء الإسلامي في العالم العربي بالواعد، وهو سيتحسن كثيرا خلال الخمس سنوات المقبلة وبشكل كبير.

* البعض يقول إن هناك مشكلة في عالم الإنشاد، وهي سرقة الألحان من التراث الشعبي، أو من أغان كلاسيكية قريبة إلى الشارع مثل أغاني فيروز مثلا؟

- هذا ليس بصحيح على العموم، سوق الغناء كبير، والألحان والتوزيعات الموسيقية والمقامات متشابهة كثيرا، التشابه أحيانا قد يوصم بأنه سرقة.. صحيح هناك بعض الحالات لكن لا أستطيع أن أضعها في إطار كبير.

سوق الغناء التقليدي نفسه كانت فيه سرقات كبيرة، والكثير يعرف أسماء لا داعي لذكرها كانت تسرق ألحانا غربية، كنا نسمعها في أشهر الأغاني العربية على سبيل المثال، وأنا أعرف كثيرا من ملحني الأغاني يأتون إلى تركيا بالخصوص، وينقلون اللحن بالنص مائة بالمائة إلى أغنية عربية ويقولون هذا من تلحينهم، ولا يعرف بهذا الأمر إلا من خبر كلا المنطقتين العربية والتركية.

هكذا أفكر

* المطرب دون شركة إنتاج يصبح في سوق الغناء كالضائع في بحر، ماذا تقدم شركة الإنتاج للمغنيين؟

- شركة الإنتاج تتكفل بكل شيء للمغني بدءا من الإنفاق الجيد على الدعاية والتسويق، وتحمل نفقات المغني في الحفلات بالخارج، أرى أهمية كبيرة في تواجد مؤسسة إنتاجية وراء المغني لإخراج منتج غنائي ذي جودة عالية، وما أراه أنا في الشركة التي تنتج لي وهي شركة "واكينينج" البريطانية أنها مؤسسة أكثر من رائعة أضافت لعملي كثيرا، ولم أر حقيقة شركة بمثل هذه القوة في مجالها.

وأهم ما تتميز به هذه الشركة أن رسالتها تتجاوز إطار البيزنس وهو ما يجعلها تتوافق مع رسالتي، ومسألة أن يكون لديك رسالة هو شيء هام، فالله عز وجل خلقنا لأسباب وأهداف ولم يخلقنا عبثا هكذا.

* هل تأثرتَ نوعا بالآراء الفقهية التي تحرم الموسيقى والغناء؟

- جدي كان شيخا تركيا يسمع الألحان من المطربين الجيدين، وعلى يديه تربيت وفهمت أن الأمر ليس بقطعي التحريم، ويوجد فيه خلاف بين الفقهاء والعلماء. الموسيقى مثلها مثل أي شيء خلقه الله قد يستعمل في الخير، وقد يستعمل في الشر، المطلوب أن نحترم آراء بعضنا، وأنا هكذا أفكر وأرى، ولا أرى غضاضة في عملي.

0 التعليقات:

 

اخوان دار العلوم Copyright © 2009 WoodMag is Designed by Ipietoon for Free Blogger Template

') }else{document.write('') } }