بقلم أ. حديبى المدنى
من جانب المحراب يبدأ سيرنا(4):( قد ذهبت اللذائذ: مع النبلاء السادة أهل العلم والإنفاق والستر ونهوض الفجر ودموع الليل ، ونحن المرشحون لاستئناف ما سلف...!)قال أحد الربانيين:(ويحك...هذا وقت عمارة المحراب،هذا زمن تلاوة الكتاب..هذا أوان حضور الباب..)وأفنية الملوك محجبات...وباب الله مبذول الفناء
لا بد من:(..تذكير الدعاة المتوغلين في درب السياسة بأن بلوغ هذه الأعماق ينحت ولا بد من رصيد القلوب،وأن التربية وظيفة دائمة في الأداء الدعوي،لا ينبغي أن ينساها أحد،ولا يتكبر عليها واهم،و هي عند كثافة الانشغال بيوميات السياسة والتنمية أشد لزوما من أيام النشأة والعزلة،ولابد من تصحيح النوايا وموعظة النفس والانطلاق من عند ركن المحاريب إلى أداء الخطط المتقدمة..! ).
ملازمة المحراب وإحياء الربانية وفقه الدموع والخشوع ونهوض الفجر والمناجاة والانكسار والاستغفار بالأسحار: هي معادلات الإيجابية، وصناعة الحياة وتحريكها، والهندسة الربانية التأثيرية، والعامل الحاسم في تقريب النصر والتمكين..!
قال الرباني يحي بن معاذ:" إن العبد على قدر حبه لمولاه يُحبِّبه إلى خلقه ، وعلى قدر توقيره لأمره يُوَقِّره خلقه ، وعلى قدر التشاغل منه بأمره يشغل به خلقه ، وعلى قدر سكون قلبه على وعده يطيب له عيشه ، وعلى قدر إدامته لطاعته يُحلِّيها في صدره ، وعلى قدره لهجه بذكره يديم ألطاف بره ، وعلى قدر استيحاشه من خلقه يؤنسه بعطائه ، فلو لم يكن لابن آدم الثواب على عمله إلا ما عُجِّل له في دنياه لكان كثيرا " .
ثمن النصر:العبودية المنكسرة المتضرعة.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بكل الأسباب المادية بين يدي غزوة بدر ومع ذلك: يجأر إلى الله تعالى بالدعاء مساء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان ويقول : اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك ’ اللهم فنصرك الذي وعدتني ...وظل يناشد الله متضرعا وخاشعاً وهو يبسط كفيه إلى السماء حتى أشفق عليه أبو بكر رضي الله عنه ’ فالتزمه من ورائه وقال له : يا رسول الله ! أبشر فوالذي نفسي بيده لينجزنّ الله لك ما وعدك ’ وأقبل المسلمون أيضاً يستنصرون الله ويستغيثونه ويخلصون له في الضراعة..!
فهذه العبودية التي اتخذت مظهرها الرائع في طول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشدة ضراعته و مناشدته لربه أن يؤتيه النصر ’ هي الثمن الذي أستحق به ذلك التأييد الإلهي العظيم في تلك المعركة ’ وقد نصت على ذلك الآية الكريمة إذ تقول :( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) ويقينا منه صلى الله عليه وسلم بهذه العبودية لله عز وجل ’ كان واثقاً بالنصر مطمئناً إلى أن العاقبة للمسلمين ’ ثم قارن مظهر هذه العبودية التي تجلت في موقفه صلى الله عليه وسلم ونتائج ذلك مع مظهر ذلك الطغيان والتجبر الذي تجلى في موقف أبى جهل حينما قال : لن نرجع حتى نرد ماء بدر فننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان ’ وتسمع بنا العرب و بمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا ’ ونتائج ذلك التجبر و الجبروت ... !
لقد كانت نتيجة العبودية و الخضوع لله تعالى عزة قعساء ومجداً شامخاً خضع لهما جبين الدنيا بأسرها ’ ولقد كانت نتيجة الطغيان و الجبروت الزائفين قبراً من الضيعة و الهوان أقيم لأربابهما حيث كانوا سيتساقون فيه الخمر وتعزف عليهم القيان ’ وتلك هي سنة الله في الكون كلما تلاقت العبودية لله خالصة مع جبروت و طغيان زائفين ..!
رسائل ربانية:
إشارات تحذير ربانية حمراء:
إذا غفل الداعية عن ملازمة المحراب أو تكاسل عن النهوض لصلاة الفجر أو أذنب ذنبا.. ترسل له: إشارات تحذير ربانية توازي اللمم والصغائر تنبهه إلى وجوب فطم النفس عن هواها ، وإلا عوقب بأكبر من ذلك ، من تضييق رزق ، وضياع تجارة ، وجلاء بركة ، ومرض متعب ، وتسلط ظالم ، وطلاق ، وقذف عرض ، وفشل في امتحان ، وسفاهة جار ، وبما هو أكبر من ذلك .. ، ولهذا فإن هذه المعاكسات هي من تمام اللطف الرباني بمؤمن يفهمها ويستوجب موعظتها ، من أجل أن لا يتمادى ، بل قيل : هي مداعبة من الله للعبد ، يُذكِّره أنه معه وتحت رقابته ليستقيم " .:
يستيقظ فإذا زوجه ذات عبوس وتأفف ، ولا يدرى سببًا منه مباشرًا في إغضابها ، ثم من بعد قليل إذا بها تولول ، و لربما فتش عن الفرد الضائع من حذاء ابنه نصف ساعة ، حتى يتأخر عن دوامه المدرسي ، ويكون طعامه مالحاً لا يكاد يسيغه ، وتعذِّبه سيارته نصف ساعة أخرى كي تشتغل ، وتكون كالدابة الشموس ، ويجد الإشارات الضوئية حمراء في وجهه ، ويُبتلى بسائق طائش عن يمينه ، ثم يوقفه شرطي مرور كان قد تشاجر مع زوجته هو الآخر فيفرغ همومه فيه ويحرر له مخالفة هو منها برئ ، وقد يبتلى ثالثة في مكتبه بمراجع فوضوي ملحاح يعكر عليه ويشكوه لدى الرئيس ، ولربما يجد في الآخر طعام غدائه دخانا محضا وتكون زوجه قد نسيت القدر على النار حتى احترق ، ويظل سائر يومه قلقًا كئيبًا ، حتى أن أقل عقوبته أن توقظه رنة الهاتف وهو في عز نوم القيلولة ، فيزعجه...!
وممن تدبر هذا الباب : عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فقد روى الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابه حجر وهو يرمي الجمار فشجَّه فقال : " ذنب بذنب ، والبادي أظلم " . وآخر على الدرب يقتفي أثر الفاروق خطوة خطوة وقدمه في إثر قدمه وهو أبو زرعة الرازي ، فعن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال : " اعتل أبو زرعة الرازي ، فمضيت مع أبي لعيادته ، فسأله أبي عن سبب هذه العِلَّة ، فقال : بِتُّ وأنا في عافية ، فوقع في نفسي أني إذا أصبحت أخرجتُ ما أخطأ سفيان الثوري ، فلما أصبحتُ خرجتُ إلى الصلاة ، وفي دربنا كلبٌ ما نبحني قطٌّ ، ولا رأيته عدا على أحد ، فعدا عليَّ و عقرني ، وحُمِمت ، فوقع في نفسي أن هذا لِما وضعتُ في نفسي ، فأضربتُ عن ذلك الرأي " . وثالثهم سجَّان!! نعم سجَّان. قال بعض السجانين : " كنتُ سجَّانا نيِّفا وثلاثين سنة أسأل كل مأخوذ بالليل :هل صلى العشاء في جماعة؟فكانوا يقولون:لا..!
وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال : لا يصيب عبداً نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر » ، بل وأكَّد : « المصائب والأحزان في الدنيا جزاء .. .
قال ابن الجوزي: رأيت كل من يعثر بشيء أو يزلق في مطر يلتفت إلي ما عثر به فينظر إليه طبعا موضوعا في الخلق ، إما ليحذر منه أن جاز عليه مرة أخرى أو لينظر - مع احترازه وفهمه - كيف فاته التحرز من مثل هذا ، فأخذت من ذلك إشارة وقلت : يا من عثر مرارا .. هلا أبصرت ما الذي عثَّرك فاحترزت من مثله ، أو قبَّحت لنفسك -مع حزمها- تلك الواقعة...!
إشارات ربانية خضراء مرحبة:
بل في يوميات الداعية:يجد السعادة والهناء والراحة والسكينة والعزة والطمأنينة والنجاح والإبداع والتألق:إذا أسلف حسنة في المساء من صدقة ، أو صلاة بوقتها ، أو أمر بمعروف ، أو إغاثة لهفان ، أو تفهيم علم ، أو بذل شفاعة ، أو ستر عرض ، أو تخذيل عن شر ، أو خلافة غاز مجاهد ، فماذا يحدث له في الصباح؟:
يستيقظ فإذا زوجه مبتسمة في وجهه ، وإذا أولاده يستيقظون مع أول نداء ، على أتم نظافة ، وكل قد كتب واجبه المدرسي وجمع كتبه. فإذا أفطر : كان طعامه لذيذاً ، وتودعه زوجه بابتسامة أيضًا حتى إذا ركب سيارته –وهى دوابنا اليوم- وجدها سلسة تشتغل مع أول إدارة للمفتاح ، ووجد الإشارات الضوئية خضراء تفتح له الطريق مرحبة به ، والسائق الذي أمامه يسير وفق الأصول بأدب وهدوء ، حتى شرطي المرور يرفع له يده بالتحية...فإذا دخل مكتبه الوظيفي : وجده نظيفاً ، وجاءه من المراجعين أهل الرفق والأخلاق ، فإذا رجع : لم يجد ألذ من طعامه ، وهكذا سائر يومه!.
ابن القيم يحصي أكثر من خمسين فائدة :للطاعة و ملازمة المحراب وقرع الباب: إقامة المروءة ، وصون العرض ، وحفظ الجاه ، وصيانة المال الذي جعله الله قِواما لمصالح الدنيا والآخرة ، ومحبة الخلق ، وجواز القول بينهم ، وصلاح المعاش ، وراحة البدن ، وقوة القلب ، وطيب النفس ، ونعيم القلب ، وانشراح الصدر ، والأمن من مخاوف الفُساق والفجار ، وقلة الهم والغم والحزن ، وعز النفس عن احتمال الذل ، وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية ، وحصول المخرج له مما ضاق على الفساق والفجار ، وتيسير عليه الرزق من حيث لا يحتسب ، وتيسير ما عسر على أرباب الفسوق والمعاصي ، وتسهيل الطاعات عليه ، وتيسير العلم والثناء الحسن في الناس ، وكثرة الدعاء له ، والحلاوة التي يكتسبها وجهه ، والمهابة التي تُلقى له في قلوب الناس ، وانتصارهم وحميتهم له إذا أوذي وظُلِم ، وذبِّهم عن عرضه إذا اغتابه مغتاب ، وسرعة إجابة دعائه ، وزوال الوحشة التي بينه وبين الله ، وقُرب الملائكة منه ، وبُعد شياطين الإنس والجن منه ، وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه ، وخطبتهم لمودته وصحبته ، وعدم خوفه من الموت ، بل يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيره إليه ، وصِغَر الدنيا في قلبه ، وكِبَر الآخرة عنده ، وحرصه على الملك الكبير والفوز العظيم فيها ، وذوق حلاوة الطاعة ، ووجد حلاوة الإيمان ، ودعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة له ، وفرح الكاتبين به ودعاؤهم له كل وقت ، والزيادة في عقله وفهمه وإيمانه ومعرفته ، وحصول محبة الله له ، وإقباله عليه ، وفرحه بتوبته ، وهكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له إلى فرحه وسروره بالمعصية بوجه من الوجوه...!
فعلى قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق....!
ومن أقبل على الله أقبل بقلوب العباد إليه:..ومن قصص سرعة انفتاح باب رحمة الله أمام التائب،وأنه باب فسيح يفضي إلى درب لاحب:سيرة العابد الزاهد حبيب العجمي رحمه الله:من أنه كان في زمن لتابعين،وكان أول أمره من عامة الناس الذين يسدرون في الغفلة ،ولا يتورع عن الربا:وقد مر في بعض الأيام بطريق البصرة،وإذا الأولاد يقولون:تنحوا عن حبيب،لئلا يصيبكم من غبار قدمه أكل الربا...!!!..فذهب إلى الحسن البصري وتاب عنده،فلما رجع قال الأولاد بعضهم لبعض:اتقوا أن تؤذوا حبيبا التائب بعجاج أقدامكم فتكونوا بذلك من الخاطئين...!..فقال في نفسه:سبحان الله..!...الإقبال على الله يفضي في ساعة إلى الذكر الجميل والثناء الحميد...!
نحن الأمل:
نحن أبناء الحركة مرشحون لاستئناف ما سلف- من السادة النبلاء: أعيان الدعوة- من لذائذ: نهوض الفجر ودموع الليل والإنفاق والستر..وإحياء الربانية وملازمة المحراب..وشعارنا العملي:
لا تقل قد ذهبت أيامه...كل من سار على الدرب وصل..!
ونجسد كلمات الراشد القيمة العملية: ونأمل أن ينتفض على الفتور المستولي، وأن يقطع التواني، آبيا إلى بداياته القديمة يوم كان حمامة مسجد ، مستغفرا مخبتا، متنقلا بين تسبيح وحمد وتكبير وتهليل ، مكرراً كنز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله، منقلبا على بين عمودين يمرغ الجبهة طوراً، ومتغنيا بالزهراوين والحاميمات وما بينهما قبل شروق وغروب، مائلاً إلى المقابر من بعد، وعاكفاً على قراءة فصول من المدارج والجواب الكافي وإحياء الإحياء متأملا التحفة العراقية، لنفخر به هو تحفة بعد ذلك حقا.
نقاط عملية:
1-لزوم المحراب:بحيث يكون الأخ حمامة مسجد:لا تفوته تكبيرة الإحرام مع الإمام.
2-واذكروا الله ذكرا كثيرا...وسبحوه بكرة وأصيلا...
3-تلاوة القرآن بخشوع وتدبر..
4-أكثروا من ذكر هادم اللذات :مدارس الموت وحصار الأمل وتلالنا الهامدة:بزيارة المقابر.
5-قراءة كتب الرقائق:تهذيب المدارج..والمستخلص في تزكية الأنفس..والجواب الكافي...والحكم العطائية.
...يتبع...
المراجع:
عبير الوعي..ومعا نتطور..وصناعة الحياة:للشيخ الراشد.فقه السيرة:للشيخ البوطي.
لا بد من:(..تذكير الدعاة المتوغلين في درب السياسة بأن بلوغ هذه الأعماق ينحت ولا بد من رصيد القلوب،وأن التربية وظيفة دائمة في الأداء الدعوي،لا ينبغي أن ينساها أحد،ولا يتكبر عليها واهم،و هي عند كثافة الانشغال بيوميات السياسة والتنمية أشد لزوما من أيام النشأة والعزلة،ولابد من تصحيح النوايا وموعظة النفس والانطلاق من عند ركن المحاريب إلى أداء الخطط المتقدمة..! ).
ملازمة المحراب وإحياء الربانية وفقه الدموع والخشوع ونهوض الفجر والمناجاة والانكسار والاستغفار بالأسحار: هي معادلات الإيجابية، وصناعة الحياة وتحريكها، والهندسة الربانية التأثيرية، والعامل الحاسم في تقريب النصر والتمكين..!
قال الرباني يحي بن معاذ:" إن العبد على قدر حبه لمولاه يُحبِّبه إلى خلقه ، وعلى قدر توقيره لأمره يُوَقِّره خلقه ، وعلى قدر التشاغل منه بأمره يشغل به خلقه ، وعلى قدر سكون قلبه على وعده يطيب له عيشه ، وعلى قدر إدامته لطاعته يُحلِّيها في صدره ، وعلى قدره لهجه بذكره يديم ألطاف بره ، وعلى قدر استيحاشه من خلقه يؤنسه بعطائه ، فلو لم يكن لابن آدم الثواب على عمله إلا ما عُجِّل له في دنياه لكان كثيرا " .
ثمن النصر:العبودية المنكسرة المتضرعة.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بكل الأسباب المادية بين يدي غزوة بدر ومع ذلك: يجأر إلى الله تعالى بالدعاء مساء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان ويقول : اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك ’ اللهم فنصرك الذي وعدتني ...وظل يناشد الله متضرعا وخاشعاً وهو يبسط كفيه إلى السماء حتى أشفق عليه أبو بكر رضي الله عنه ’ فالتزمه من ورائه وقال له : يا رسول الله ! أبشر فوالذي نفسي بيده لينجزنّ الله لك ما وعدك ’ وأقبل المسلمون أيضاً يستنصرون الله ويستغيثونه ويخلصون له في الضراعة..!
فهذه العبودية التي اتخذت مظهرها الرائع في طول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشدة ضراعته و مناشدته لربه أن يؤتيه النصر ’ هي الثمن الذي أستحق به ذلك التأييد الإلهي العظيم في تلك المعركة ’ وقد نصت على ذلك الآية الكريمة إذ تقول :( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) ويقينا منه صلى الله عليه وسلم بهذه العبودية لله عز وجل ’ كان واثقاً بالنصر مطمئناً إلى أن العاقبة للمسلمين ’ ثم قارن مظهر هذه العبودية التي تجلت في موقفه صلى الله عليه وسلم ونتائج ذلك مع مظهر ذلك الطغيان والتجبر الذي تجلى في موقف أبى جهل حينما قال : لن نرجع حتى نرد ماء بدر فننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان ’ وتسمع بنا العرب و بمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا ’ ونتائج ذلك التجبر و الجبروت ... !
لقد كانت نتيجة العبودية و الخضوع لله تعالى عزة قعساء ومجداً شامخاً خضع لهما جبين الدنيا بأسرها ’ ولقد كانت نتيجة الطغيان و الجبروت الزائفين قبراً من الضيعة و الهوان أقيم لأربابهما حيث كانوا سيتساقون فيه الخمر وتعزف عليهم القيان ’ وتلك هي سنة الله في الكون كلما تلاقت العبودية لله خالصة مع جبروت و طغيان زائفين ..!
رسائل ربانية:
إشارات تحذير ربانية حمراء:
إذا غفل الداعية عن ملازمة المحراب أو تكاسل عن النهوض لصلاة الفجر أو أذنب ذنبا.. ترسل له: إشارات تحذير ربانية توازي اللمم والصغائر تنبهه إلى وجوب فطم النفس عن هواها ، وإلا عوقب بأكبر من ذلك ، من تضييق رزق ، وضياع تجارة ، وجلاء بركة ، ومرض متعب ، وتسلط ظالم ، وطلاق ، وقذف عرض ، وفشل في امتحان ، وسفاهة جار ، وبما هو أكبر من ذلك .. ، ولهذا فإن هذه المعاكسات هي من تمام اللطف الرباني بمؤمن يفهمها ويستوجب موعظتها ، من أجل أن لا يتمادى ، بل قيل : هي مداعبة من الله للعبد ، يُذكِّره أنه معه وتحت رقابته ليستقيم " .:
يستيقظ فإذا زوجه ذات عبوس وتأفف ، ولا يدرى سببًا منه مباشرًا في إغضابها ، ثم من بعد قليل إذا بها تولول ، و لربما فتش عن الفرد الضائع من حذاء ابنه نصف ساعة ، حتى يتأخر عن دوامه المدرسي ، ويكون طعامه مالحاً لا يكاد يسيغه ، وتعذِّبه سيارته نصف ساعة أخرى كي تشتغل ، وتكون كالدابة الشموس ، ويجد الإشارات الضوئية حمراء في وجهه ، ويُبتلى بسائق طائش عن يمينه ، ثم يوقفه شرطي مرور كان قد تشاجر مع زوجته هو الآخر فيفرغ همومه فيه ويحرر له مخالفة هو منها برئ ، وقد يبتلى ثالثة في مكتبه بمراجع فوضوي ملحاح يعكر عليه ويشكوه لدى الرئيس ، ولربما يجد في الآخر طعام غدائه دخانا محضا وتكون زوجه قد نسيت القدر على النار حتى احترق ، ويظل سائر يومه قلقًا كئيبًا ، حتى أن أقل عقوبته أن توقظه رنة الهاتف وهو في عز نوم القيلولة ، فيزعجه...!
وممن تدبر هذا الباب : عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فقد روى الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابه حجر وهو يرمي الجمار فشجَّه فقال : " ذنب بذنب ، والبادي أظلم " . وآخر على الدرب يقتفي أثر الفاروق خطوة خطوة وقدمه في إثر قدمه وهو أبو زرعة الرازي ، فعن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال : " اعتل أبو زرعة الرازي ، فمضيت مع أبي لعيادته ، فسأله أبي عن سبب هذه العِلَّة ، فقال : بِتُّ وأنا في عافية ، فوقع في نفسي أني إذا أصبحت أخرجتُ ما أخطأ سفيان الثوري ، فلما أصبحتُ خرجتُ إلى الصلاة ، وفي دربنا كلبٌ ما نبحني قطٌّ ، ولا رأيته عدا على أحد ، فعدا عليَّ و عقرني ، وحُمِمت ، فوقع في نفسي أن هذا لِما وضعتُ في نفسي ، فأضربتُ عن ذلك الرأي " . وثالثهم سجَّان!! نعم سجَّان. قال بعض السجانين : " كنتُ سجَّانا نيِّفا وثلاثين سنة أسأل كل مأخوذ بالليل :هل صلى العشاء في جماعة؟فكانوا يقولون:لا..!
وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال : لا يصيب عبداً نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر » ، بل وأكَّد : « المصائب والأحزان في الدنيا جزاء .. .
قال ابن الجوزي: رأيت كل من يعثر بشيء أو يزلق في مطر يلتفت إلي ما عثر به فينظر إليه طبعا موضوعا في الخلق ، إما ليحذر منه أن جاز عليه مرة أخرى أو لينظر - مع احترازه وفهمه - كيف فاته التحرز من مثل هذا ، فأخذت من ذلك إشارة وقلت : يا من عثر مرارا .. هلا أبصرت ما الذي عثَّرك فاحترزت من مثله ، أو قبَّحت لنفسك -مع حزمها- تلك الواقعة...!
إشارات ربانية خضراء مرحبة:
بل في يوميات الداعية:يجد السعادة والهناء والراحة والسكينة والعزة والطمأنينة والنجاح والإبداع والتألق:إذا أسلف حسنة في المساء من صدقة ، أو صلاة بوقتها ، أو أمر بمعروف ، أو إغاثة لهفان ، أو تفهيم علم ، أو بذل شفاعة ، أو ستر عرض ، أو تخذيل عن شر ، أو خلافة غاز مجاهد ، فماذا يحدث له في الصباح؟:
يستيقظ فإذا زوجه مبتسمة في وجهه ، وإذا أولاده يستيقظون مع أول نداء ، على أتم نظافة ، وكل قد كتب واجبه المدرسي وجمع كتبه. فإذا أفطر : كان طعامه لذيذاً ، وتودعه زوجه بابتسامة أيضًا حتى إذا ركب سيارته –وهى دوابنا اليوم- وجدها سلسة تشتغل مع أول إدارة للمفتاح ، ووجد الإشارات الضوئية خضراء تفتح له الطريق مرحبة به ، والسائق الذي أمامه يسير وفق الأصول بأدب وهدوء ، حتى شرطي المرور يرفع له يده بالتحية...فإذا دخل مكتبه الوظيفي : وجده نظيفاً ، وجاءه من المراجعين أهل الرفق والأخلاق ، فإذا رجع : لم يجد ألذ من طعامه ، وهكذا سائر يومه!.
ابن القيم يحصي أكثر من خمسين فائدة :للطاعة و ملازمة المحراب وقرع الباب: إقامة المروءة ، وصون العرض ، وحفظ الجاه ، وصيانة المال الذي جعله الله قِواما لمصالح الدنيا والآخرة ، ومحبة الخلق ، وجواز القول بينهم ، وصلاح المعاش ، وراحة البدن ، وقوة القلب ، وطيب النفس ، ونعيم القلب ، وانشراح الصدر ، والأمن من مخاوف الفُساق والفجار ، وقلة الهم والغم والحزن ، وعز النفس عن احتمال الذل ، وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية ، وحصول المخرج له مما ضاق على الفساق والفجار ، وتيسير عليه الرزق من حيث لا يحتسب ، وتيسير ما عسر على أرباب الفسوق والمعاصي ، وتسهيل الطاعات عليه ، وتيسير العلم والثناء الحسن في الناس ، وكثرة الدعاء له ، والحلاوة التي يكتسبها وجهه ، والمهابة التي تُلقى له في قلوب الناس ، وانتصارهم وحميتهم له إذا أوذي وظُلِم ، وذبِّهم عن عرضه إذا اغتابه مغتاب ، وسرعة إجابة دعائه ، وزوال الوحشة التي بينه وبين الله ، وقُرب الملائكة منه ، وبُعد شياطين الإنس والجن منه ، وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه ، وخطبتهم لمودته وصحبته ، وعدم خوفه من الموت ، بل يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيره إليه ، وصِغَر الدنيا في قلبه ، وكِبَر الآخرة عنده ، وحرصه على الملك الكبير والفوز العظيم فيها ، وذوق حلاوة الطاعة ، ووجد حلاوة الإيمان ، ودعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة له ، وفرح الكاتبين به ودعاؤهم له كل وقت ، والزيادة في عقله وفهمه وإيمانه ومعرفته ، وحصول محبة الله له ، وإقباله عليه ، وفرحه بتوبته ، وهكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له إلى فرحه وسروره بالمعصية بوجه من الوجوه...!
فعلى قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق....!
ومن أقبل على الله أقبل بقلوب العباد إليه:..ومن قصص سرعة انفتاح باب رحمة الله أمام التائب،وأنه باب فسيح يفضي إلى درب لاحب:سيرة العابد الزاهد حبيب العجمي رحمه الله:من أنه كان في زمن لتابعين،وكان أول أمره من عامة الناس الذين يسدرون في الغفلة ،ولا يتورع عن الربا:وقد مر في بعض الأيام بطريق البصرة،وإذا الأولاد يقولون:تنحوا عن حبيب،لئلا يصيبكم من غبار قدمه أكل الربا...!!!..فذهب إلى الحسن البصري وتاب عنده،فلما رجع قال الأولاد بعضهم لبعض:اتقوا أن تؤذوا حبيبا التائب بعجاج أقدامكم فتكونوا بذلك من الخاطئين...!..فقال في نفسه:سبحان الله..!...الإقبال على الله يفضي في ساعة إلى الذكر الجميل والثناء الحميد...!
نحن الأمل:
نحن أبناء الحركة مرشحون لاستئناف ما سلف- من السادة النبلاء: أعيان الدعوة- من لذائذ: نهوض الفجر ودموع الليل والإنفاق والستر..وإحياء الربانية وملازمة المحراب..وشعارنا العملي:
لا تقل قد ذهبت أيامه...كل من سار على الدرب وصل..!
ونجسد كلمات الراشد القيمة العملية: ونأمل أن ينتفض على الفتور المستولي، وأن يقطع التواني، آبيا إلى بداياته القديمة يوم كان حمامة مسجد ، مستغفرا مخبتا، متنقلا بين تسبيح وحمد وتكبير وتهليل ، مكرراً كنز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله، منقلبا على بين عمودين يمرغ الجبهة طوراً، ومتغنيا بالزهراوين والحاميمات وما بينهما قبل شروق وغروب، مائلاً إلى المقابر من بعد، وعاكفاً على قراءة فصول من المدارج والجواب الكافي وإحياء الإحياء متأملا التحفة العراقية، لنفخر به هو تحفة بعد ذلك حقا.
نقاط عملية:
1-لزوم المحراب:بحيث يكون الأخ حمامة مسجد:لا تفوته تكبيرة الإحرام مع الإمام.
2-واذكروا الله ذكرا كثيرا...وسبحوه بكرة وأصيلا...
3-تلاوة القرآن بخشوع وتدبر..
4-أكثروا من ذكر هادم اللذات :مدارس الموت وحصار الأمل وتلالنا الهامدة:بزيارة المقابر.
5-قراءة كتب الرقائق:تهذيب المدارج..والمستخلص في تزكية الأنفس..والجواب الكافي...والحكم العطائية.
...يتبع...
المراجع:
عبير الوعي..ومعا نتطور..وصناعة الحياة:للشيخ الراشد.فقه السيرة:للشيخ البوطي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق