عام جديد.. بين حصاد مرٍّ ومستقبل مشرق للإسلام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، الصادق الوعد الأمين، ورضي الله عن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
تمرُّ السنون وتبقى سُننُ الله لا تتبدَّل ولا تتحوَّل؛ سنة التداول.. ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 140), وسنة التدافع.. ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ﴾ (البقرة: من الآية 251)، وسنة التغاير.. ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ (الأنعام: من الآية 38)، وسنة التغيير.. ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

الحصاد المرُّ
وقد رأى العالم وشهد على عامٍ يرحل ويسلِّم لعام جديد أحداثًا مؤلمةً، وجرائمَ بشعةً، قد ارتُكبت في حق الشعوب والأمة والعالم؛ فلا يخفى على أحدٍ هذا الإجرام والقتل، والسلب والبلطجة، التي مارسها المشروع الأمريكي الصهيوني؛ فما من دماءٍ تسيل، أو أرضٍ تُسلبٍ، أو أرزاقٍ تُقطع، أو فُرقةٍ تُدبَّر، أو فوضى تُنظَّم، أو إرهابٍ يُنشر، أو بلادٍ تُخرَّب، إلا ووراء ذلك أصابعُ هذا المشروع!!، وإلا فما معنى أن يودِّعنا العام بدماءٍ وقتلٍ وفوضى في باكستان، انتهت بمقتل رئيسة الوزراء والعشرات من الأبرياء؟!

ورغم استعمال السياسيين كلماتِ التعنُّت والصلف وانتهاك الحقوق ومخاطبة المجتمع الدولي، فلم يخرج الأمر- على امتداد العام الماضي- عن حصادٍ مُرٍّ من الجرائم، بدءًا من مصرنا الحبيبة وما فيها من محاكماتٍ عسكريةٍ جائرةٍ، واعتقالاتٍ متكررةٍ للشرفاء، وتكميمٍ للصحافة والإعلام، وتزويرٍ لإرادة الأمة عبر انتخابات مزرية على المستوى الشعبي والطلابي، ناهيك عن الغلاء الجنوني في الأسعار والفقر المتزايد، واعتصامات العمَّال والموظفين، والأطباء وأساتذة الجامعات، أو على مستوى أمتنا الإسلامية وما تعانيه في فلسطين والعراق، وأفغانستان والسودان، والصومال ولبنان وباكستان، إلى مستوى العالم الإنساني أجمع، الذي يستقبل عامَه الجديد دون حِراكٍ أو نبضٍ؛ لأنه بات يُحتَضر جرَّاء ما شهد من طعناتٍ قاتلةٍ، باحثًا عن نخوةٍ تضحِّي لينبض، وشعوبٍ تنتفض ليقوم، وما ذلك ببعيد!!.

انحسار المشروع الأمريكي الصهيوني
إن هذه الممارسات المدمِّرة المخرِّبة لدليلٌ على انحسار المشروع الأمريكي الصهيوني الظالم؛ نلمسه آيلاً للسقوط في أفغانستان، رغم محاولات ترميم الدول الأوربية له، ومطالبةِ حاكمها بالحوار مع طالبان التي تسيطر على أكثر من نصف البلاد.

ونراه في العراق وهو يبحث عن غطاءٍ للانسحاب يواري به فشله بعد تساقط أوراق الحلفاء، خاصةً بعد أن رفضتهم شعوبُهم بإسقاط رئيس الوزراء البريطاني ثم الأسترالي، ومن قبل الإسباني والإيطالي، وما زال البعض- ممن يراهنون على المشروع الأمريكي في العراق- يطالبونه بالبقاء، غير عابئين بعشرات القتلى يوميًّا، وبالخراب الدامي، والهدم المأساوي، والتقسيم المدمِّر.

ونشاهده في فلسطين؛ فرغم دروعه الواقية من الجدار والاستيطان، والاجتياحات والاعتقالات، والسلطة الواهمة وحصار غزة اللعين، وتجويع الشعب الفلسطيني وتعميق الفُرقة، نجده يرتعش أمام صواريخ المقاومة الباسلة.

وها هو يفتضح في لبنان الذي ما زال يبحث عن رئيس للبلاد، فلما فشل كعادته أخذ يرمي بالاتهامات على سوريا وإيران، أما في السودان فقد ظهر عبثُ المشروع الأمريكي الصهيوني لبسط نفوذه شمالاً وجنوبًا، وشرقًا وغربًا؛ في محاولةٍ للهيمنة على النفط بإثارة القلاقل والفرقة، خاصةً في دارفور.

إن هذا الانحسار لدليلٌ على فشل المشروع الذي بات يلملم ما تبقَّى له؛ خوفًا من انهيار القطب الأوحد أمام استيقاظ روسيا المفاجئ، وصحوة أوروبا المتصاعدة، ونووية إيران المتنامية، وقد حاول المشروع الخائب سدَّ فشله بعقد ستة عشر مؤتمرًا، بدءًا من شرم الشيخ إلى أنابوليس، كلها باءت بالمزيد من التردي وتعميق المأزق الانهياري، خاصةً بعد تعطُّل المشروعات الوهمية من الشرق الأوسط الجديد إلى تغيير خريطة المنطقة.

وإني لأتساءل: من الذي أعطى الحق لأمريكا وأوروبا لأن يعيثوا في الأرض فسادًا وأن يعبثوا بمقدَّرات الأوطان؟!

المشروع الإسلامي
إن الأمة الإسلامية- التي تستقبل عامها الجديد رغم الجراح- لم يبقَ لها إلا المشروعُ الإسلاميُّ، الذي أصبح اليوم هو المشروع الوطني القومي البديل، والذي يُقيم الحق والعدل، والكرامة والحرية، والمساواة والأمن والسلام لكافة بلدان أمتنا العربية والإسلامية.

وقد بات اليوم هو المشروع المقاوم الوحيد لكل مخططات المشروع الأمريكي الصهيوني العاجز أمام تصاعد المقاومة التي كبَّدته أفدح الخسائر البشرية والمالية، وأنهكت قواه وأفشلت مؤامراته.

ولذلك لا يوجد على الساحة العالمية اليوم مشروعٌ سواه، ثم إني لأعجب من حكَّامنا الذين يسيرون خلف المشروع الأمريكي وهم يعلمون يقينًا أنه يتآمر عليهم وعلى شعوبهم: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ﴾ (الحديد: من الآية 16)؛ الأمر الذي يستلزم أن يتصالحوا مع شعوبهم، وأن يتوقفوا عن الظلم والاستبداد، وأن يفتحوا نوافذ الحرية، ويتركوا لشعوبهم اختيار ما يعبِّر عن طموحاتهم وأشواقهم.

إن المشروع الإسلامي- بما يحمل من قيمٍ أخلاقية وإيمانية- منتصرٌ بذاته، ناهضٌ بطبيعته، وهو في الوقت ذاته يتضمن الحلَّ لكل المشكلات التي تعاني منها البشرية؛ سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا؛ ولذلك فهو متقدمٌ بأبنائه المخلصين.. ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: من الآية 47)، وغالبٌ بجنوده الأوفياء.. ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ﴾ (الصافات: 173)، خاصةً بعد الانهيار والفشل الذي بات المشروعُ الأمريكي غارقًا في وحله؛ لأنه قائمٌ على الباطل المنهار، وعلى أتباعه وأذنابه ومتملِّقيه المغلوبين المدحورين: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: 81).

إن غدًا مشرقٌ في عام جديد تنتظره الأمة
فيا شعوبَنا العربيةَ والإسلاميةَ.. إلى وحدة الصفّ؛ فالأمل فيكم وبكم، وإلى جامعةٍ شعبيةٍ حقيقيةٍ واحدةٍ..

ويا أبناءَ الحركة الإسلامية.. لا مناصَ لكم إلا في اختيار المقاومة؛ فهي الطريق إلى البنيان المرصوص في مواجهة المحتل الغاصب.

ويا أبنائي من الإخوان المسلمين.. ينتظرُكم عامٌ من الجهد والعمل؛ فالمبشرات بين أيديكم، والأمل ينتظركم.. فإلى المزيد من الثبات على منهجكم، وتقديم فكرتكم إلى العالم، وبذل كل ما تملكون من أجلها؛ لنكون على مستوى الغد المشرق لإسلامنا.

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21)وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.






0 التعليقات:

 

اخوان دار العلوم Copyright © 2009 WoodMag is Designed by Ipietoon for Free Blogger Template

') }else{document.write('') } }