لحظة تاريخ
موعد مع القدر
بقلم : أحمد درويش *
الموعد الأول :
فى شرفة القصر الكبير على مقربة من قصر الخليفة ، جلس طولون مع زوجته قاسم صامتان إلا من بعض صوت أوراق الشجر التى تُـصدرصفيراً حين تغشاها الرياح
نظرت قاسم إلى دوالى العنب نظرةتأمل طويلة فراقبتها وهى تمرق هاربتا ً من ضوء القمر وتحتمى بالأوراق حين يسقط عليها ضيـّه فى كسوف ودلال واضحان فتظهر كلؤلؤة بها مسحة من خفة ودلال .
قطعت صمت السكون بقولها :
- حين قمت بزيارة أعمامىٍ من الأتراك رأيت طفلا ً صغيرا ً ماتت أمه وأبوه الذى يدعى يلبخ المهرج وهو الآن يتيم ٌ يعيش على عطف الناس وإحسانهم إليه ويدعى أحمد
- أما زلت تفكرين فى هذا الأمر ؟ أنا لا أعترض ولكن أحسنى الإختيار
كانت لا تنجب ودائما ما تفكر فى تبنى طفل
تربى أحمد فى قصر أبيه بالتبنى طولون وطولون هذا كان فيما قبل مولى
لنوح بن أسدالسامانى والذى أهداه فى جملة مماليك إلى الخليفة العباسى المأمون والذى بدوره أعجب به فرقاه حتى صارمن جملة الأمراء
كبر أحمد فى قصرأبيه طولون وتعلم الفقه وحفظ القرآن وكان صوته فى أجمل ما تكون الأصوات فى قراءة هذا الكتاب الخالد
دخل أحمد على أبيه يوما فقال له: بالباب قوم ضعفاء لو كتبت إليهم بشئ
فقال اذهب وأتنى بدواة من المقصورة ؛ فدخل فرأى بالدهليز جاريتا ً من حظايا طولون قد خلا بها خادم ، فمر سريعاً وعاد بالدواة ولم يتكلم
فحسبت الجارية أنه يسبقها إلى طولون بالقول ، فجاءت إلى طولون مسرعتا وقالت له : إن احمد راودنى الساعة فى الدهليز وأراد أن يختلى بى
فأثارت بذلك حمـيّّة الأمير فكتب إلى بعض عماله أن أقتل حامل الرسالة من غير مشورة ، وأعطاها أحمد
وحين أراد الخروج اعترضته الجارية وقالت له : إلى أين ؟
قال : فى حاجة مهمـّة للأمير ؛
فقالت :أنا أرسله ، ولى بك حاجة ، فدفعت بالكتاب إلى الخادم المذكور
وقالت : اذهب به إلى فلان وشاغلت أحمد بالحديث وأرادت بذلك أن يزداد غضب الأمير عليه
وحين وقف المأمور على الكتاب قطع رأس الخادم وبعث بها إلى الأمير طولون ، فلما رآه دُهش واستدعى أحمد ؛ وقال : اصدقنى ، فحكى له
وخرجت الجارية منهارة حين سمعت بالخبر واعترفت بعلاقتها مع الخادم فقتلها
وحظى أحمد عنده .
الموعد الثانى :
ترعرع أحمد وتزوج بابنة عمه خاتون وأنجبت له العباس
وحين مات طولون أسند الخليفة المستعين لأحمد ما كان لأبيه وولاه إمرة الثغور
كان بن طولون شديد الحنق على ما يفعله الأتراك بالخلفاء وكان المستعين يحبه ويومئ إليه بالسلام سراً خوفا ًمنهم ، وأهدى له جارية اسمها ميـّاس انجبت له خمارويه ،
ولمّا تنكر الأتراك للمستعين خلعوه ونفوه إلى واسط ،
وقالوا له : من تختار لصحبتك ؟ قال : ابن طولون ؛ فأحسن مصاحبته
وبعد برهة من الزمان ليست بالطويلة كتب الأتراك لأحمد : أن أقتل المستعين ولك واسط نولـّيك عليها
فكتب إليهم : لارآنى الله قاتلا خليفة ً بايعت له أبدا !
فبعثوا إليه سعيدأ الحاجب وكان المستعين يلقبه بجزار بنى هاشم فقتله
ولما عاد أحمد بن طولون إلى سر من رأى أقام بها ، وزاد محلـّه عند الأتراك فولـّوه مصر والشام
فقال :
( غاية ما وُعِدت به فى قتل المستعين واسط ، فتركت ذلك لله تعالى ، فعوضنى بمصر والشام ) .
الموعد الثالث :
فى سنة من السنين نزلت حاجة ماسـّة بدار بن طولون واحتاجفهااحتياجا شديدا إلى المال
وكان قد أومأ إليه الخليفة المعتمد تسلـّم الخراج
فدخل عليه كاتب ٌ لديه يقال له ابن دشوّمة كان واسع الحيلة شديد الدهاء ممتلك الحُجـّة
فقال له : أقول ما عندى ويؤمّـننى الأمير .
قال له : قل وأنت آمن .
فبدأ يبرّق أموال الخراج ويصف له حال بيت الأميرالمكدح ويبرر له فعلته حتى لان له الأمير ؛ فرأى فى نومه صديق له قديم قد مات منذ زمن ،
فقال له : دع عنك قول ذلك الرجل ويبدلك الله خيرا منه .
وتم له ذلك فخرج للصيد فى الصحراء يوما ما حتى غاصت فرسه فى بقعة رمال فكشف عنها فإذا هى ألفُ ألفِ دينار مخبأة
فأخذها وبنى منها الجامع المشهور باسمه فى مصر .
وسجن ابن دشـّومة وأغلظ عليه حتى مات فى محبسه .
الموعد الأخير :
فى أحدى الليالى رأى الأميرفى نومه كابوسا مروعا كأن الحق سبحانه قد مات فى داره ؛ فشق عليه ذلك ووقع فى قلبه شيئا كبيرا فطاف على العلماء فلم يستطيع أحد أن يفسرها له حتى قال له أحدهم : أقول ما فى نفسى وتؤمننى فأمنه
فقال له : أنت رجلٌ ظالمٌ ، قد أمت الحق فى دارك ! فبكى
وذلك أنه كان حاد الخلق وشديد المزاج وأنه مات فى محبسه ثمانية َعشرألف من العسف وسفك الدماء .
وكان العباس ابنه شاب عاصيا لوالده سكـّيرا وحُمِل ذات يوم إليه فحبسه وأغلظ عليه فمات فى محبسه بعد موت أبيه وكان شاعرا
فقطفق ينشد :
لـلـه درى إذ أعـــدو علـــــى فرســـى إلى الهياج ونار الحرب تستعر
إن كنتِ سائلة ً عـنـى وعــن خبــــرى فهأنا الليث والصــمـّامـة الذكر
من آل طولون أصلى إن سألــت فـمــا فوقى لمفتخر فى الجـود مفتخر
واشتد المرض على أحمد بن طولون ذات يوم فخرج المسلمون بالمصاحف واليهود والنصارى بالتوراة والإنجيل والمعلمون بالصبيان إلى الصحراء ودعوا له على أن يشفيه الله ،ولكن القدر كان له رأى آخر فوقف أمام ابن طولون هذه المرة !
وحين أيـِس من نفسه رفع يديه إلى السماء وقال :
يارب ارحم من جهل مقدار نفسه ، وأبطره حلمك عنه
ثم تشهّد فسقطت يديه ومات بمصر ..
فى شرفة القصر الكبير على مقربة من قصر الخليفة ، جلس طولون مع زوجته قاسم صامتان إلا من بعض صوت أوراق الشجر التى تُـصدرصفيراً حين تغشاها الرياح
نظرت قاسم إلى دوالى العنب نظرةتأمل طويلة فراقبتها وهى تمرق هاربتا ً من ضوء القمر وتحتمى بالأوراق حين يسقط عليها ضيـّه فى كسوف ودلال واضحان فتظهر كلؤلؤة بها مسحة من خفة ودلال .
قطعت صمت السكون بقولها :
- حين قمت بزيارة أعمامىٍ من الأتراك رأيت طفلا ً صغيرا ً ماتت أمه وأبوه الذى يدعى يلبخ المهرج وهو الآن يتيم ٌ يعيش على عطف الناس وإحسانهم إليه ويدعى أحمد
- أما زلت تفكرين فى هذا الأمر ؟ أنا لا أعترض ولكن أحسنى الإختيار
كانت لا تنجب ودائما ما تفكر فى تبنى طفل
تربى أحمد فى قصر أبيه بالتبنى طولون وطولون هذا كان فيما قبل مولى
لنوح بن أسدالسامانى والذى أهداه فى جملة مماليك إلى الخليفة العباسى المأمون والذى بدوره أعجب به فرقاه حتى صارمن جملة الأمراء
كبر أحمد فى قصرأبيه طولون وتعلم الفقه وحفظ القرآن وكان صوته فى أجمل ما تكون الأصوات فى قراءة هذا الكتاب الخالد
دخل أحمد على أبيه يوما فقال له: بالباب قوم ضعفاء لو كتبت إليهم بشئ
فقال اذهب وأتنى بدواة من المقصورة ؛ فدخل فرأى بالدهليز جاريتا ً من حظايا طولون قد خلا بها خادم ، فمر سريعاً وعاد بالدواة ولم يتكلم
فحسبت الجارية أنه يسبقها إلى طولون بالقول ، فجاءت إلى طولون مسرعتا وقالت له : إن احمد راودنى الساعة فى الدهليز وأراد أن يختلى بى
فأثارت بذلك حمـيّّة الأمير فكتب إلى بعض عماله أن أقتل حامل الرسالة من غير مشورة ، وأعطاها أحمد
وحين أراد الخروج اعترضته الجارية وقالت له : إلى أين ؟
قال : فى حاجة مهمـّة للأمير ؛
فقالت :أنا أرسله ، ولى بك حاجة ، فدفعت بالكتاب إلى الخادم المذكور
وقالت : اذهب به إلى فلان وشاغلت أحمد بالحديث وأرادت بذلك أن يزداد غضب الأمير عليه
وحين وقف المأمور على الكتاب قطع رأس الخادم وبعث بها إلى الأمير طولون ، فلما رآه دُهش واستدعى أحمد ؛ وقال : اصدقنى ، فحكى له
وخرجت الجارية منهارة حين سمعت بالخبر واعترفت بعلاقتها مع الخادم فقتلها
وحظى أحمد عنده .
الموعد الثانى :
ترعرع أحمد وتزوج بابنة عمه خاتون وأنجبت له العباس
وحين مات طولون أسند الخليفة المستعين لأحمد ما كان لأبيه وولاه إمرة الثغور
كان بن طولون شديد الحنق على ما يفعله الأتراك بالخلفاء وكان المستعين يحبه ويومئ إليه بالسلام سراً خوفا ًمنهم ، وأهدى له جارية اسمها ميـّاس انجبت له خمارويه ،
ولمّا تنكر الأتراك للمستعين خلعوه ونفوه إلى واسط ،
وقالوا له : من تختار لصحبتك ؟ قال : ابن طولون ؛ فأحسن مصاحبته
وبعد برهة من الزمان ليست بالطويلة كتب الأتراك لأحمد : أن أقتل المستعين ولك واسط نولـّيك عليها
فكتب إليهم : لارآنى الله قاتلا خليفة ً بايعت له أبدا !
فبعثوا إليه سعيدأ الحاجب وكان المستعين يلقبه بجزار بنى هاشم فقتله
ولما عاد أحمد بن طولون إلى سر من رأى أقام بها ، وزاد محلـّه عند الأتراك فولـّوه مصر والشام
فقال :
( غاية ما وُعِدت به فى قتل المستعين واسط ، فتركت ذلك لله تعالى ، فعوضنى بمصر والشام ) .
الموعد الثالث :
فى سنة من السنين نزلت حاجة ماسـّة بدار بن طولون واحتاجفهااحتياجا شديدا إلى المال
وكان قد أومأ إليه الخليفة المعتمد تسلـّم الخراج
فدخل عليه كاتب ٌ لديه يقال له ابن دشوّمة كان واسع الحيلة شديد الدهاء ممتلك الحُجـّة
فقال له : أقول ما عندى ويؤمّـننى الأمير .
قال له : قل وأنت آمن .
فبدأ يبرّق أموال الخراج ويصف له حال بيت الأميرالمكدح ويبرر له فعلته حتى لان له الأمير ؛ فرأى فى نومه صديق له قديم قد مات منذ زمن ،
فقال له : دع عنك قول ذلك الرجل ويبدلك الله خيرا منه .
وتم له ذلك فخرج للصيد فى الصحراء يوما ما حتى غاصت فرسه فى بقعة رمال فكشف عنها فإذا هى ألفُ ألفِ دينار مخبأة
فأخذها وبنى منها الجامع المشهور باسمه فى مصر .
وسجن ابن دشـّومة وأغلظ عليه حتى مات فى محبسه .
الموعد الأخير :
فى أحدى الليالى رأى الأميرفى نومه كابوسا مروعا كأن الحق سبحانه قد مات فى داره ؛ فشق عليه ذلك ووقع فى قلبه شيئا كبيرا فطاف على العلماء فلم يستطيع أحد أن يفسرها له حتى قال له أحدهم : أقول ما فى نفسى وتؤمننى فأمنه
فقال له : أنت رجلٌ ظالمٌ ، قد أمت الحق فى دارك ! فبكى
وذلك أنه كان حاد الخلق وشديد المزاج وأنه مات فى محبسه ثمانية َعشرألف من العسف وسفك الدماء .
وكان العباس ابنه شاب عاصيا لوالده سكـّيرا وحُمِل ذات يوم إليه فحبسه وأغلظ عليه فمات فى محبسه بعد موت أبيه وكان شاعرا
فقطفق ينشد :
لـلـه درى إذ أعـــدو علـــــى فرســـى إلى الهياج ونار الحرب تستعر
إن كنتِ سائلة ً عـنـى وعــن خبــــرى فهأنا الليث والصــمـّامـة الذكر
من آل طولون أصلى إن سألــت فـمــا فوقى لمفتخر فى الجـود مفتخر
واشتد المرض على أحمد بن طولون ذات يوم فخرج المسلمون بالمصاحف واليهود والنصارى بالتوراة والإنجيل والمعلمون بالصبيان إلى الصحراء ودعوا له على أن يشفيه الله ،ولكن القدر كان له رأى آخر فوقف أمام ابن طولون هذه المرة !
وحين أيـِس من نفسه رفع يديه إلى السماء وقال :
يارب ارحم من جهل مقدار نفسه ، وأبطره حلمك عنه
ثم تشهّد فسقطت يديه ومات بمصر ..
* طالب بكلية دار العلوم .
1 التعليقات:
جزاكم الله خيرا يا أستاذ أحمد وأرجوك ادعو لي لأني في محنة وأريد أن أري مزيد من القصص في المستقبل القريب بإذن الله تعالي
إرسال تعليق