التهريب سيستمر لنبل أهدافه


بقلم : عبدالبارى عطوان


تصاعدت حدة التهديدات الاسرائيلية مجدداً ضد قطاع غزة بسبب سقوط ثلاثة صواريخ على منطقة النقب جنوب فلسطين، فقد هدد ايهود باراك وزير الدفاع بالرد، بينما توعدت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية زعيمة حزب 'كاديما' بالتعامل بطريقة اقوى وأكثر شراسة.من الواضح ان حكام اسرائيل، الذين يتمتعون بدعم شعبي كبير لأي عدوان يشنونه على ابناء القطاع، لم يشبعوا من اللحم الفلسطيني، وسفك دماء 1350 شهيداً بينهم خمسمائة طفل على الاقل، لم يشف غليلهم، ولم يرو ظمأهم، وما زالوا يتطلعون الى المزيد، ويعدّون العدة لذلك. فالمجرم يظل يحوم حول مسرح الجريمة، فما ادراك اذا كان من النوع الذي يرتكب جرائم حرب ضد الانسانية.المثلث الاسرائيلي الحاكم، اولمرت، ليفني، باراك، يتصرف بطريقة مجنونة، بعد ان فقد صوابه تماماً، إثر فشله في تحقيق اهدافه في منع اطلاق الصواريخ، وتركيع ابناء القطاع، وتحقيق مكاسب انتخابية، ولهذا فمن غير المستبعد ان يترجم جنونه في مجازر جديدة في القطاع، مستفيداً من خيبة أمل معظم حكومات دول الاعتدال العربية في انهاء المقاومة وفصائلها، وازالة ما تشكله من احراجات من حيث كشفها تواطؤ هذه الحكومات، بل ومشاركتها، بطريقة أو بأخرى، في العدوان الأخير.الرأي العام العالمي، والعربي منه على وجه الخصوص، بات على اطّلاع واسع على حجم الجرائم الاسرائيلية في القطاع، بعد ان دخلت طواقم الصحافيين اليه بعد ثلاثة اسابيع من المنع، فحتى حديقة الحيوانات في غزة، على بؤسها، وعجز أصحابها عن العثور على الطعام لأنفسهم، ناهيك عن اطعام اسودها وثعالبها، لم تسلم من الصواريخ الاسرائيلية، وشاهدنا بالصوت والصورة حجم الرعب الذي اصابها من جراء هذه الصواريخ وهدير الطائرات، فلجأت الى المراحيض طالبة الأمان، فلا يوجد في قانون الغاب، على شراسته، مثل تلك القسوة التي مارسها الاسرائيليون الذين ينتمون الى البشرية، ويقولون انهم رسل الحضارة والديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة.على أي حال، العدوان ما زال مستمراً على قطاع غزة، فالحصار ما زال خانقاً، وجميع المواد الأساسية ممنوعة، والمعابر مغلقة، خاصة معبر رفح الخاضع لاشراف السلطات المصرية، التي تدعي كذباً انه مفتوح امام البشر والمساعدات.السلطات الاسرائيلية سمحت بادخال عشرات الأطنان من مختلف انواع الفواكه المنتجة في مستوطناتها، لإغراق الاسواق، بهدف ايصال رسالة مضللة الى الصحافيين الاجانب مفادها ان كل شيء متوفر بما في ذلك الفاكهة، ولكنها ما زالت تمنع الوقود، وترفض دخول كيس واحد من الاسمنت، او لوح من الزجاج، لأنها تريد استخدام ورقة اعادة الاعمار، بتحريض من سلطة رام الله، وحكومة مصر، كورقة ابتزاز. فالجهة التي يجب ان تشرف على اعادة الاعمار هي تلك المرتبطة بالفاسدين من ابناء المسؤولين الفلسطينيين والمصريين فقط، اما الشرفاء الأمناء اصحاب الأيادي النظيفة، والتضحيات الاعجازية في الدفاع عن هذه الأمة وكرامتها فلا مكان لهم.احد الأئمة في مساجد قطاع غزة تضرّع الى الله في خطبته يوم الجمعة الماضي بأن لا تهطل الامطار رأفة بالمحاصرين المجوّعين الذين تدمرت منازلهم وأصبح خمسون ألفاً منهم على الاقل، معظمهم من الأطفال والرضع، يعيشون في العراء تحت السماء والطارق، رغم حاجة القطاع وابنائه، وما تبقى من مزارعيه الذين لم يحرق الفسفور الابيض مزارعهم، ويسمم ارضهم، الى كل قطرة ماء.عدم السماح بدخول الاسمنت والزجاج، يعني ان لا يتم اصلاح زجاج او حيطان اي بيت مهدم ولو جزئياً، حتى يموت الأطفال من شدة البرد، بعد ان كتبت لهم الحياة، ولو مؤقتاً، مع بدء وقف اطلاق النار، فشتاء غزة قارس، بل ان شتاء هذا العام أشد قساوة من اي اعوام مضت.أنفاق غزة، شريان الحياة الوحيد، لتهريب بعض السلع الضرورية، لم تعد تعمل، فقد تآمر العالم بأسره من اجل نسفها وتعطيلها، فلم تكتف السلطات الاسرائيلية بارسال الطائرات عبر الاجواء المصرية لقصفها وتدميرها، بل هرعت الى الولايات المتحدة لتوقيع اتفاقات امنية تجيز مراقبة وتفتيش اي سفن في عرض البحر من قبل الاساطيل الامريكية تحت ذريعة منع وصول اسلحة الى فصائل المقاومة، وفرضت بمقتضاها على الحكومة المصرية تركيب كاميرات، واستخدام احدث المعدات، وارسال بعثات امنية الى الحدود الامريكية ـ المكسيكية لتعلم كيفية العثور على الانفاق وتدميرها.الخبرات الامريكية لم تنجح في القضاء على ظاهرة التهريب، سواء للبشر او البضائع، عبر الحدود المكسيكية، ولا نعتقد ان نظيرتها المصرية مهما تبحرت في هذا العلم، سيكون حظها افضل، لسبب بسيط وهو ان التهريب عبر الحدود المصرية هو مسألة وطنية لها علاقة مباشرة بالعقيدة والاخلاق، وليس بهدف المال او البحث عن لقمة عيش في الجانب الآخر من الحدود، مثلما هو حال المهربين المكسيكيين.الأسلحة ستصل الى المحاصرين، وكذلك العرائس، ورجال المقاومة، والخبرات العربية والاسلامية في كيفية هزيمة المعدات الامريكية الحديثة، وعلى الحكومتين المصرية والاسرائيلية اللتين تنسقان جهودهما في هذا الصدد ان تتذكرا جيداً ان الكثير من الضباط ورجال الأمن المصريين المرابطين على الحدود هم من ابناء ابطال العبور الذين حققوا نصراً مشرفاً في حرب اكتوبر عام 1973، واشقاء او ابناء عم ضحايا مدرسة بحر البقر، وهؤلاء لا يمكن ان يخونوا ضميرهم الوطني، وعقيدتهم السمحاء.نعترف بأن اهل القطاع دفعوا ثمناً غالياً لصمودهم الشجاع في مواجهة العدوان الاسرائيلي الوحشي، من دمائهم ولقمة عيشهم، او ما تبقى منها، ومن حقهم ان يلتقطوا انفاسهم، ويضمدوا جراح اطفالهم، ويدفنوا شهداءهم، ولكن كيف يتأتى لهم ذلك وهم يواجهون عدواً متغطرساً يتصرف وكأنه فوق كل القـــــوانين والشرائع، ويجد الحماية من دولة عظمى تدعي انها زعيمة العالم الحر، والقيّمة على قيم العدالة وحقوق الانسان؟ويظل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة،هو عما يمكن ان يفعل مثلث اولمرت ـ باراك ـ ليفني اكثر مما فعلوه في حرب الثلاثة اسابيع الأخيرة، هل سيلقون بما في ترسانتهم من قنابل نووية فوق رؤوس اهل القطاع؟لقد جربوا مختلف انواع الطائرات والصواريخ، والقنابل الفوسفورية، وقصفوا من البر والبحر والجو دون رحمة، تنفيذاً لتعليمات حاخامهم العسكري الذي من المفترض ان يكون داعية سلام ورسول محبة ورأفة، ومع ذلك لم يرفع واحد من ابناء القطاع راية الاستسلام، بل شاهدنا الشهداء والجرحى يسقطون وهم يرددون الشهادتين ويرفعون علامة النصر. هل هناك صمود اكثر من هذا؟

0 التعليقات:

 

اخوان دار العلوم Copyright © 2009 WoodMag is Designed by Ipietoon for Free Blogger Template

') }else{document.write('') } }