لعل من أهم الأسباب التي تفسِّر عدم وجود تعاطف شعبي إسلامي كبير مع مشكلة السودان - هو جهل المسلمين بحقيقة الأوضاع في داخل هذا البلد الإسلامي الكبير، خاصةً في منطقة دارفور، والتي برزت على الساحة فجأةً وبشكل كبير في السنوات القليلة السابقة.نعلم جيدًا أهمية الإعلام في إثارة اهتمام الشعوب بقضية ما، وقد دأب الإعلام الغربي والصهيوني على الحديث عن قضية دارفور من منظوره لتحقيق أهدافٍ واضحة، يأتي في مقدّمتها فصل دارفور عن السودان، وتكاسُل الإعلام الإسلامي عن القيام بدوره في هذه القضية لعدة سنوات؛ مما نتج عنه ما نحن فيه الآن من اضطراب وفقدان للتوازن.إن المعلومة قوةٌ كبيرة، وإننا لن نستطيع أن نفهم أو نتوقع طرق حل الأزمة السودانية دون فقهٍ عميق لجذورها وأبعادها، ولن نمتلك القدرة على طرح آليات لحل المشكلة إلا بوجود قاعدة معلوماتية ضخمة تشرح لنا أبعاد الموقف كله، كما تُعنى بشكل كبير بتحقيق المعلومة، والتثبُّت من صدقها. وهذا لا يكفي فيه جهد فرد أو أفراد، إنما يحتاج إلى جهود مؤسسيّة مخلصة، وإلى عددٍ كبير من المتخصصين والمهتمين بالشأن السوداني والإفريقي، كما يحتاج إلى زيارات ميدانية، ومتابعة للأحداث من داخلها، واستطلاعات رأي، واستبيانات مُحْكَمة، وقدرات عالية على التحليل والدراسة. وكل هذا يحتاج إلى جَهْدٍ ومال ووقت وفكر، وقبل كل ذلك وبعده يحتاج إلى عقول متجردة من الأهواء، لا تبغي بعملها هذا إلا وجه الله ـ تعالى ـ ، وتحرص كل الحرص على عدم الميل إلى جانب على حساب جانب آخر لمصالح معيّنة، أو منافعَ ذاتية.إننا نواجه مشكلة كبيرة حقًّا عند الحديث عن مشكلة دارفور، وذلك لعدم ثقتنا فيما في أيدينا من معلومات، فهذا يؤكِّد وذاك ينفي، وثالث يهاجم ورابع يدافع؛ كما أنّ الأطراف المتصارعة كثيرة جدًّا، وهي في ازدياد مستمر، والموقف يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.. خاصةً أننا صرنا نقرأ اليوم عشرات بل مئات التحليلات عن الموضوع، ومن أسماء لا نعرف تاريخها، ولا مدى صدقها وشفافيتها؛ فمنها الحكيم الواعي، ومنها الصهيوني المُغْرِض، كما أن منها المنافق عليم اللسان.
إنها معضلة تجعل العقل يدور!!ما هي قصة دارفور؟!وهل يمكن أن تنفصل عن السودان؟وما هي آليات الحل للمشكلة؟
إقليم دارفور أحد أكبر الأقاليم في السودان الآن، وهو يقع في غرب السودان، وتبلغ مساحته أكثر من نصف مليون كيلو متر مربع، ويقترب عدد سكانه من ستة ملايين إنسان معظمهم من المسلمين السُّنَّة، وعندهم توجُّه إسلامي واضح حيث تزداد فيهم نسبة الحافظين لكتاب الله بشكل لافت للنظر، حتى يصل بهم البعض إلى نسبة 50 % من السكان، وإن كنت أرى أن في هذا الرقم مبالغةً كبيرة، ولكنّه ـ بشكل عام ـ يعطي انطباعًا عن الطبيعة الإسلامية لهذا الإقليم، ولعلّ هذا من الأسباب التي جعلت اهتمام الغرب والصهاينة به أكثر وأعظم.لقد ظهرت في هذا الإقليم حركات تدعو للتمرد والانفصال عن الكيان الأم السودان، وكان هذا في فترة التسعينيات من القرن العشرين، ثم تفاقم الوضع، ووصل إلى المحاولات العسكرية للانفصال في سنة 2003، وازداد الوضع اضطرابًا مع مرور الوقت، وأصبحت القضية مطروحة عالميًّا: هل ينبغي أن تنفصل دارفور عن السودان؟ أم أنّ بقاءَها كإقليم في داخل الدولة أمر حتمي؟!ولكي يمكن الإجابة على هذا السؤال لا بد من مراجعة تاريخية وواقعية وسياسية ودينية للموقف في دارفور، كما ينبغي أن ننظر إلى الأمور بتجرُّد وحياديّة حتى نستطيع أن نصل إلى حلٍّ منطقي للمشكلة.إن الذي يراجع ملف دارفور يجد أن احتمالات انفصال الإقليم عن السودان واردة جدًّا!! ويجد أيضًا أنه ما لم تأخذ الحكومة السودانية مواقف حاسمة، وفي ذات الوقت عاقلة وحكيمة فإن الأمور ستخرج عن السيطرة، كما أن المسلمين ما لم يتفاعلوا مع القضية بشكلٍ أكثر عملية وسرعة فإن كابوس الانفصال سيصبح حقيقة، وعندها لن يُجدى إصلاح.وللأسف الشديد فإن كثيرًا منا يعيش بمبدأ التواكل، متخيِّلاً أن الله سيحفظ الأمّة حتى لو لم تعملْ، ولو كان هذا صحيحًا فقولوا لي بالله عليكم: أين الأندلس؟! وأين الهند؟! ويعتقد كثير من المسلمين أيضًا أن غلق الملف مؤقتًا يعني حلَّه! ولا يدركون أن تأجيل حل المشكلة قد يفاقمها، وأن ما نراه مستحيلاً الآن قد يصبح أمرًا واقعيًّا غدًا.لا بد من الاعتراف أنّ وضع دارفور خطير للغاية، وأن احتمالات انفصالها واردة جدًّا، وأننا نريد عملاً دءوبًا ليل نهار حتى نمنع هذه الكارثة.. ولا داعي للجُمَل العنترية بأن: دارفور ستبقى سودانية إلى الأبد مهما كانت الظروف! ولماذا نقول إن احتمالات الانفصال واردة جدًّا؟! إن هذا التخوُّف يأتي من عدة أمور:أولاً: المساحة الضخمة لهذا الإقليم، والتي تؤهله أن يكون دولة مستقلة بإمكانيات قوية، حيث إنه ليس فقط أكبر من عشرات الدول في العالم، ولكنه أيضًا يمتلك البترول واليورانيوم، ولقد دأب المحللون الغربيون على وصف الإقليم بأنه يساوي مساحة فرنسا ليرسِّخوا في الوجدان أنه من الممكن أنْ يُستقلَّ بذاته.ثانيًا: الحدود الجغرافية المعقَّدة للإقليم، فهو يتجاور من ناحيته الغربية مع تشاد بحدود طولها 600 كيلو متر، وكذلك مع ليبيا وإفريقيا الوسطى. ومن المعروف أن هذه المناطق الصحراوية والقبلية ليست مُحْكَمة الحدود كغيرها من الدول، وعليه فدخول الأفراد من وإلى دارفور سهل للغاية، وخاصةً أن هناك قبائلَ كثيرة ممن تعيش في الإقليم ترتبط بعَلاقات مصاهرة ونسب وعلاقات اقتصادية وسياسية مع القبائل في الدول المجاورة وخاصةً تشاد، وهذا جعل الكثير من المشاكل السياسية التي تحدث في تشاد تكون مرجعيتها إلى دارفور والعكس، وهذا يعني أن الدول المجاورة ستكون عنصرًا فاعلاً في مشكلة دارفور، شئنا أم أبينا.ثالثًا: طبيعة القبائل في الإقليم تثير الكثير من القلق، فمع أن الجميع مسلمون، إلا أن الأصول الإثنيّة تختلف، فحوالي 80 % من السكان ينتمون إلى القبائل الإفريقية غير العربية، وهؤلاء يعملون في المعظم في الزراعة، أما بقية السكان فمن القبائل العربية التي هاجرت في القرن الماضي إلى منطقة دارفور، وهؤلاء يعملون في الرعي. وهذه الخلفيات العِرقيّة لها تأثير في الاختلاف بين الطائفتين، وهذا أمرٌ متوقّع، ومن الغباء أن ننكره، ونكتفي بالقول بأن الجميع مسلمون، فقد حدثت خلافات قبل ذلك بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، وما لم يُؤخذ الأمر بجديّة وتعقُّل فإن الخلافات قد تتعقد جدًّا، ومِن ثَمَّ ينعدم الأمان في المنطقة، وهذا قد يدفع السكان إلى البدائل المطروحة، ومنها الانفصال تحت قيادة موحَّدة قوية تضم الجميع. ويزيد من تعقيد الموضوع في دارفور مشكلة التصحُّر وقلةُ المراعي؛ مما يدفع القبائل الكثيرة إلى التصارع على موارد الماء ومناطق الزراعة، وهو صراع من أجل الحياة، يصبح إزهاقُ الأرواح فيه أمرًا طبيعيًّا! رابعًا: البُعد التاريخي المهمّ لمنطقة دارفور يجعل مسألةَ انفصالها أمرًا خطيرًا يحتاج إلى حذرٍ وحرص؛ فالمنطقة في معظم تاريخها كانت بالفعل مستقلة عن السودان، وكانت في واقع الأمر سلطنة مسلمة تضم عددًا كبيرًا من القبائل الإفريقية، وآخر سلاطينها هو السلطان المسلم الوَرِع عليّ بن دينار، الذي حكم من سنة 1898 إلى سنة 1917م، والذي كان يرسل كسوة الكعبة إلى مكة على مدار عشرين سنة كاملةً !، وكان يُطعِم الحجيج بكثافة، لدرجة أنه أقام مكانًا لتزويد الحجاج بالطعام عند ميقات أهل المدينة المعروف بذي الحُلَيفة. وقد وقف هذا السلطان المسلم مع الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى من منطلق إسلامي، إلا أن هذا أزعج جدًّا السلطات الإنجليزية التي كانت تسيطر على السودان آنذاك، فقامت بضم هذا الإقليم إلى السودان في سنة 1917م، ومن يومها وهو جزء من السودان، وهذه الخلفية التاريخية تشير إلى نفسيّة السكان الذين إذا لم يشعروا بالأمان والاطمئنان لحكومة السودان، فإنهم سيرغبون في العودة إلى ما كانوا عليه منذ مئات السنين، وهو التجاور مع السودان وليس الانضمام لها.
خامسًا: التدخل الغربي الصهيوني الكثيف في المنطقة يغيِّر الكثير من الحسابات، ويدفع بقوة إلى فكرة الانفصال، وذلك لتحقيق مصالح استراتيجية خطيرة، وقد أصبح هؤلاء يتعاملون بمنتهى الوضوح مع قادة التمرد في دارفور؛ لكي يدفعوهم إلى الانفصال لتقوم دولة تدين بالولاء إلى الكيانات الغربية والصهيونية الموالية، وتأتي في مقدمة الدول المهتمَّة بإقليم دارفور فرنسا، حيث تمثِّل هذه المنطقة تاريخًا مهمًّا جدًّا لفرنسا؛ لأن دارفور هي أقصى شرق الحزام المعروف بالحزام الفرانكفوني (أي المنسوب إلى فرنسا)، وهي الدول التي كانت تسيطر عليها فرنسا قديمًا في هذه المنطقة، وهي دارفور وتشاد والنيجر وإفريقيا الوسطى والكاميرون، وقد استطاعت فرنسا الوصول إلى شخصية من قبيلة الفور، وهي أكبر القبائل الإفريقية في دارفور، وإليها ينسب الإقليم (دارفور)، وهذه الشخصية هي عبد الواحد محمد نور صاحب التوجُّهات العلمانية الفرنسية الواضحة، ومؤسِّس أكبر جماعات التمرد في دارفور، والمعروفة باسم جيش تحرير السودان، وهي حركة مختلفة عن الجيش الشعبي لتحرير السودان، والمتمركزة في جنوب السودان، وإن كانت الأيدلوجية الفكرية للحركتين متشابهة، بل هناك تنسيق واضح بينهما.
أما إنجلترا فهي تضع أنفها في المنطقة عن طريق خليل إبراهيم، الذي أنشأ حركة تمرد أخرى تنتمي إلى قبيلة أخرى من القبائل الإفريقية، وهي قبيلة الزغاوة، حيث قام مدعومًا ببريطانيا بإنشاء حركة العدل والمساواة، وهي كذلك حركة علمانية تطالب بفصل دارفور عن السودان. وإضافةً إلى فرنسا وإنجلترا فهناك أمريكا صاحبة الأطماع المستمرة ليس في دارفور فقط، ولا في السودان فحسب، بل ليس في القرن الإفريقي وحده، وإنما في العالم أجمع!! فهي تدفع بقوة في اتجاه وجود قوات دُوليّة لحفظ السلام في المنطقة تكون تحت السيطرة المباشرة لمجلس الأمن، ومِن ثَم لأمريكا. وأخيرًا تأتي دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل" لتشارك بقوَّة وصراحة ووضوح في مسألة دارفور، وليس فقط عن طريق تحالف جماعات الضغط الصهيونية في أمريكا والمعروف بتحالف "أنقذوا دارفور"، ولكن أيضًا عن طريق التدخل السافر للحكومة الصهيونية نفسها حيث رصدت الحكومة الصهيونية مبلغ 5 ملايين دولار لمساعدة لاجئي دارفور، وفتحت الباب أمام الجمعيات الخيرية في إسرائيل للمشاركة. كما أعلنت عن استعدادها لشراء أدوية ومعدات لتحليل المياه بما يعادل 800 ألف دولار يتم جمعها من بعض الشركات الصهيونية!! كما سبق أن أعلنت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية اليهودية في اجتماع لها مع بعض السفراء الأفارقة في تل أبيب سنة 2008 أن حكومتها ستسعى لإيجاد حل لأزمة دارفور!! وبالطبع لن تترك المجال عند الحديث عن التدخل الأجنبي في المنطقة دون الإشارة إلى عشرات الجمعيات الإغاثية، والتي تمارس خليطًا من الأعمال الإغاثية من جانب، والتبشيرية التنصيرية من جانب آخر، والإجرامية من جانب ثالث، وليس ببعيدٍ ما فعلته جمعية "لارش دي زو" الفرنسية من خطف أطفال من دارفور لبيعهم لعائلات إنجليزية وفرنسية، حيث تم اكتشاف هذه الفضيحة في أكتوبر 2007، وما خفي كان أعظم!
سادسًا: الأخطاء الإدارية والفكرية الفادحة التي وقعت فيها الحكومة السودانية على مدار عِدَّة عقود أدت إلى الوصول إلى هذا الوضع المعقَّد؛ فواقع الأمر أن الحكومة السودانية لا تتعامل مع دارفور كجزءٍ مهم في الدولة السودانية، وذلك منذ عشرات السنين، وكان منطلقها في ذلك أنها أرض صحراوية تعيش فيها قبائل بدوية، وليس فيها ثروات تُذكر، ولا تداخل مع الشئون السودانية بشكل مؤثر؛ وهذا أدى إلى فقرٍ شديد للمنطقة، وفقدان للبنية التحتية، وانعدام للأمن، وعدم تمثيل مناسب في الحكومة أو البرلمان، وعدم وجود اتصال علمي أو إعلامي مع المنطقة، وغير ذلك من مظاهر الإهمال التي أفقدت الكثير من شعب دارفور الولاء لدولة السودان الأم، وحتى عندما تولى الرئيس عمر البشير الحكم بعد الانقلاب 1989 فإنه تولى في ظروف صعبة تزامنت مع الحرب المدمِّرة في جنوب السودان، والتي أخذت الاهتمام الحكومي السوداني كله، فازداد السقوط المعنوي في دارفور، وهذا كله قاد إلى تنامي حركات التمرد، وحتى عندما تتم جلسات مصالحة أو تفاوض مع زعماء المتمردين، فإنها تكتفي بتأجيل المشكلة لا حلها، وهذا يُهدِّئ الأوضاع لفترة محدودة لتعود لتشتعل بشكل أكبر بعدها بقليل!
سابعًا: الضعف العسكري الشديد للحكومة السودانية، فجيشها لا يزيد على 90 ألف جندي، بإمكانيات عسكرية هزيلة للغاية، وخاصةً بعد المرور بحرب جنوب السودان على مدار عشرين عامًا كاملة، أرهقت الجيش بصورة كبيرة، وهذا الجيش الضعيف لا يستطيع بحال أن يسيطر على المساحات الشاسعة الموجودة بالسودان بصفة عامة، وفي دارفور بصفة خاصة؛ وهذا أدى إلى ظهور عصابات "الجانجويد"، وهي عصابات من قبائل عربية تركب الخيول وتلبس الملابس البيضاء وتحمل الرشاشات، وتتجول بِحُرِّية في ربوع دارفور، فتقتل وتسرق وتفرض ما تريد، ويتَّهِم الغرب الحكومة السودانية بالتعاون مع عصابات الجانجويد، وتنفي الحكومة السودانية ذلك، ولكنه في العموم مظهر من مظاهر الانفلات الأمني، والضعف العسكري غير المقبول؛ فإذا كانت
الحكومة متعاونة مع الجانجويد كما يقول الغرب، فهذا مظهر من مظاهر الضعف حيث لا تستطيع الحكومة بنفسها السيطرة على الأمور فتلجأ إلى البلطجية والمجرمين!ّ . وإذا كانت الحكومة غير متعاونة معهم، فهذا أيضًا مظهر من مظاهر الضعف، حيث تعلن الحكومة بصراحة أنها لا سيطرة لها على عصابات الجانجويد، وأنهم يقتلون من الجيش السوداني كما يقتلون من المتمردين، وهذا وضع في الحقيقة غير مقبول من حكومة مستقرة وجيش نظامي، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة وحساب.
ثامنًا: حالة الجهل الشديدة التي يمر بها أهل دارفور، مع كون الكثير منهم يحفظ كتاب الله عزَّ وجلَّ، فمدارسهم ضعيفة جدًّا، وإعلامهم منعدم، ومِن ثَمَّ فإن السيطرة الفكرية عليهم تصبح سهلة للغاية. وليس بالضرورة أن يكون الأمر بالتحوُّل إلى النصرانية، ولكن يكفي أن يطبِّقوا ما تريده الحركات المتمردة والغرب الصليبي والعدو الصهيوني من فصلٍ للدين عن الدولة، وعلمانية المناهج، وفكرة الانفصال، وهذا أمر قد لا يستنكره الشعب هناك في ظل غياب المعلمين والدعاة والمفكرين المخلصين.تاسعًا: عدم وجود دراسات علمية موثَّقة تشرح طبيعة المنطقة، وتشعباتها الجغرافية والتاريخية والسكانية، وطرق التعامل مع القبائل المختلفة، ومناهج تفكيرهم ومنطلقاتهم، ومِن ثَم فإن الذي يسعى لحلّ المشكلة ولجمع الأطراف لا يستطيع غالبًا أن يدخل من الباب الصحيح، وقد يفشل في الحل حتى لو كان مخلصًا متجردًا؛ حيث لا يملك آليات الحل السليم، ولا المعلومات الدقيقة.عاشرًا: حالة "الطناش" الإسلامية الشنيعة ! فهذه الأحداث المركَّبة تتفاقم منذ أكثر من عشر سنوات، ولا حراك، ولا شك أن ترك السودان بمفرده في هذه الأزمة سيجعل قضية انفصال دارفور أمرًا مسلَّمًا به، وعندها لن ينفع العويل، ولن تفيد العواطف، ولن يجدي البكاء على اللبن المسكوب!كانت هذه النقطة العاشرة، فتلك عشرة كاملة! وقد يكون هناك عوامل أخرى لم نذكرها لقلة المعلومات، أو لضيق الوقت، ولكن الشاهد من كل ذلك أن احتماليات انفصال دارفور واردة جدًّا نتيجة كل هذه المعطيات.ومع ذلك فنحن لا نذكر كل ما سبق لنقول إنّ الدنيا مظلمة، وإنّ الأمل مفقود، بل إننا نسعى لإيجاد حلٍّ منطقي ومقبول للأزمة، ولا يكون ذلك إلا بمصارحة وشفافية وكشف للأوراق، ومع أننا ضدّ قرار المحكمة الجنائية الدولية قلبًا وقالبًا إلا أننا من منطلق الأخوّة الإسلامية، والأمانة العلمية ندعو إخواننا في الحكومة السودانية إلى إعادة النظر في "ملف دارفور" بهذه المعطيات التي ذكرناها، وبغيرها من التي لا نعرفها.إن الأمر جِدُّ خطير، لكن الإصلاح ليس مستحيلاً، إنما له آليات معروفة، وطرق مجرَّبة، واحتفاظ السودان بدارفور واجب قومي وفريضة شرعية، لكن لا بد من الأخذ بالأسباب الصحيحة، والسير في الطرق المدروسة.ولعلّ هذه فرصة لقُرَّاء المقال الأعِزَّاء أن يشاركونا بالرأي في آليات حل هذه الأزمة، وسوف يكون مقالنا في الأسبوع القادم - بإذن الله - عن هذه الآليات، فنسأله سبحانه السداد والتوفيق.حَفِظَ الله السودان، وأهل السودان!!ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
إنها معضلة تجعل العقل يدور!!ما هي قصة دارفور؟!وهل يمكن أن تنفصل عن السودان؟وما هي آليات الحل للمشكلة؟
إقليم دارفور أحد أكبر الأقاليم في السودان الآن، وهو يقع في غرب السودان، وتبلغ مساحته أكثر من نصف مليون كيلو متر مربع، ويقترب عدد سكانه من ستة ملايين إنسان معظمهم من المسلمين السُّنَّة، وعندهم توجُّه إسلامي واضح حيث تزداد فيهم نسبة الحافظين لكتاب الله بشكل لافت للنظر، حتى يصل بهم البعض إلى نسبة 50 % من السكان، وإن كنت أرى أن في هذا الرقم مبالغةً كبيرة، ولكنّه ـ بشكل عام ـ يعطي انطباعًا عن الطبيعة الإسلامية لهذا الإقليم، ولعلّ هذا من الأسباب التي جعلت اهتمام الغرب والصهاينة به أكثر وأعظم.لقد ظهرت في هذا الإقليم حركات تدعو للتمرد والانفصال عن الكيان الأم السودان، وكان هذا في فترة التسعينيات من القرن العشرين، ثم تفاقم الوضع، ووصل إلى المحاولات العسكرية للانفصال في سنة 2003، وازداد الوضع اضطرابًا مع مرور الوقت، وأصبحت القضية مطروحة عالميًّا: هل ينبغي أن تنفصل دارفور عن السودان؟ أم أنّ بقاءَها كإقليم في داخل الدولة أمر حتمي؟!ولكي يمكن الإجابة على هذا السؤال لا بد من مراجعة تاريخية وواقعية وسياسية ودينية للموقف في دارفور، كما ينبغي أن ننظر إلى الأمور بتجرُّد وحياديّة حتى نستطيع أن نصل إلى حلٍّ منطقي للمشكلة.إن الذي يراجع ملف دارفور يجد أن احتمالات انفصال الإقليم عن السودان واردة جدًّا!! ويجد أيضًا أنه ما لم تأخذ الحكومة السودانية مواقف حاسمة، وفي ذات الوقت عاقلة وحكيمة فإن الأمور ستخرج عن السيطرة، كما أن المسلمين ما لم يتفاعلوا مع القضية بشكلٍ أكثر عملية وسرعة فإن كابوس الانفصال سيصبح حقيقة، وعندها لن يُجدى إصلاح.وللأسف الشديد فإن كثيرًا منا يعيش بمبدأ التواكل، متخيِّلاً أن الله سيحفظ الأمّة حتى لو لم تعملْ، ولو كان هذا صحيحًا فقولوا لي بالله عليكم: أين الأندلس؟! وأين الهند؟! ويعتقد كثير من المسلمين أيضًا أن غلق الملف مؤقتًا يعني حلَّه! ولا يدركون أن تأجيل حل المشكلة قد يفاقمها، وأن ما نراه مستحيلاً الآن قد يصبح أمرًا واقعيًّا غدًا.لا بد من الاعتراف أنّ وضع دارفور خطير للغاية، وأن احتمالات انفصالها واردة جدًّا، وأننا نريد عملاً دءوبًا ليل نهار حتى نمنع هذه الكارثة.. ولا داعي للجُمَل العنترية بأن: دارفور ستبقى سودانية إلى الأبد مهما كانت الظروف! ولماذا نقول إن احتمالات الانفصال واردة جدًّا؟! إن هذا التخوُّف يأتي من عدة أمور:أولاً: المساحة الضخمة لهذا الإقليم، والتي تؤهله أن يكون دولة مستقلة بإمكانيات قوية، حيث إنه ليس فقط أكبر من عشرات الدول في العالم، ولكنه أيضًا يمتلك البترول واليورانيوم، ولقد دأب المحللون الغربيون على وصف الإقليم بأنه يساوي مساحة فرنسا ليرسِّخوا في الوجدان أنه من الممكن أنْ يُستقلَّ بذاته.ثانيًا: الحدود الجغرافية المعقَّدة للإقليم، فهو يتجاور من ناحيته الغربية مع تشاد بحدود طولها 600 كيلو متر، وكذلك مع ليبيا وإفريقيا الوسطى. ومن المعروف أن هذه المناطق الصحراوية والقبلية ليست مُحْكَمة الحدود كغيرها من الدول، وعليه فدخول الأفراد من وإلى دارفور سهل للغاية، وخاصةً أن هناك قبائلَ كثيرة ممن تعيش في الإقليم ترتبط بعَلاقات مصاهرة ونسب وعلاقات اقتصادية وسياسية مع القبائل في الدول المجاورة وخاصةً تشاد، وهذا جعل الكثير من المشاكل السياسية التي تحدث في تشاد تكون مرجعيتها إلى دارفور والعكس، وهذا يعني أن الدول المجاورة ستكون عنصرًا فاعلاً في مشكلة دارفور، شئنا أم أبينا.ثالثًا: طبيعة القبائل في الإقليم تثير الكثير من القلق، فمع أن الجميع مسلمون، إلا أن الأصول الإثنيّة تختلف، فحوالي 80 % من السكان ينتمون إلى القبائل الإفريقية غير العربية، وهؤلاء يعملون في المعظم في الزراعة، أما بقية السكان فمن القبائل العربية التي هاجرت في القرن الماضي إلى منطقة دارفور، وهؤلاء يعملون في الرعي. وهذه الخلفيات العِرقيّة لها تأثير في الاختلاف بين الطائفتين، وهذا أمرٌ متوقّع، ومن الغباء أن ننكره، ونكتفي بالقول بأن الجميع مسلمون، فقد حدثت خلافات قبل ذلك بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، وما لم يُؤخذ الأمر بجديّة وتعقُّل فإن الخلافات قد تتعقد جدًّا، ومِن ثَمَّ ينعدم الأمان في المنطقة، وهذا قد يدفع السكان إلى البدائل المطروحة، ومنها الانفصال تحت قيادة موحَّدة قوية تضم الجميع. ويزيد من تعقيد الموضوع في دارفور مشكلة التصحُّر وقلةُ المراعي؛ مما يدفع القبائل الكثيرة إلى التصارع على موارد الماء ومناطق الزراعة، وهو صراع من أجل الحياة، يصبح إزهاقُ الأرواح فيه أمرًا طبيعيًّا! رابعًا: البُعد التاريخي المهمّ لمنطقة دارفور يجعل مسألةَ انفصالها أمرًا خطيرًا يحتاج إلى حذرٍ وحرص؛ فالمنطقة في معظم تاريخها كانت بالفعل مستقلة عن السودان، وكانت في واقع الأمر سلطنة مسلمة تضم عددًا كبيرًا من القبائل الإفريقية، وآخر سلاطينها هو السلطان المسلم الوَرِع عليّ بن دينار، الذي حكم من سنة 1898 إلى سنة 1917م، والذي كان يرسل كسوة الكعبة إلى مكة على مدار عشرين سنة كاملةً !، وكان يُطعِم الحجيج بكثافة، لدرجة أنه أقام مكانًا لتزويد الحجاج بالطعام عند ميقات أهل المدينة المعروف بذي الحُلَيفة. وقد وقف هذا السلطان المسلم مع الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى من منطلق إسلامي، إلا أن هذا أزعج جدًّا السلطات الإنجليزية التي كانت تسيطر على السودان آنذاك، فقامت بضم هذا الإقليم إلى السودان في سنة 1917م، ومن يومها وهو جزء من السودان، وهذه الخلفية التاريخية تشير إلى نفسيّة السكان الذين إذا لم يشعروا بالأمان والاطمئنان لحكومة السودان، فإنهم سيرغبون في العودة إلى ما كانوا عليه منذ مئات السنين، وهو التجاور مع السودان وليس الانضمام لها.
خامسًا: التدخل الغربي الصهيوني الكثيف في المنطقة يغيِّر الكثير من الحسابات، ويدفع بقوة إلى فكرة الانفصال، وذلك لتحقيق مصالح استراتيجية خطيرة، وقد أصبح هؤلاء يتعاملون بمنتهى الوضوح مع قادة التمرد في دارفور؛ لكي يدفعوهم إلى الانفصال لتقوم دولة تدين بالولاء إلى الكيانات الغربية والصهيونية الموالية، وتأتي في مقدمة الدول المهتمَّة بإقليم دارفور فرنسا، حيث تمثِّل هذه المنطقة تاريخًا مهمًّا جدًّا لفرنسا؛ لأن دارفور هي أقصى شرق الحزام المعروف بالحزام الفرانكفوني (أي المنسوب إلى فرنسا)، وهي الدول التي كانت تسيطر عليها فرنسا قديمًا في هذه المنطقة، وهي دارفور وتشاد والنيجر وإفريقيا الوسطى والكاميرون، وقد استطاعت فرنسا الوصول إلى شخصية من قبيلة الفور، وهي أكبر القبائل الإفريقية في دارفور، وإليها ينسب الإقليم (دارفور)، وهذه الشخصية هي عبد الواحد محمد نور صاحب التوجُّهات العلمانية الفرنسية الواضحة، ومؤسِّس أكبر جماعات التمرد في دارفور، والمعروفة باسم جيش تحرير السودان، وهي حركة مختلفة عن الجيش الشعبي لتحرير السودان، والمتمركزة في جنوب السودان، وإن كانت الأيدلوجية الفكرية للحركتين متشابهة، بل هناك تنسيق واضح بينهما.
أما إنجلترا فهي تضع أنفها في المنطقة عن طريق خليل إبراهيم، الذي أنشأ حركة تمرد أخرى تنتمي إلى قبيلة أخرى من القبائل الإفريقية، وهي قبيلة الزغاوة، حيث قام مدعومًا ببريطانيا بإنشاء حركة العدل والمساواة، وهي كذلك حركة علمانية تطالب بفصل دارفور عن السودان. وإضافةً إلى فرنسا وإنجلترا فهناك أمريكا صاحبة الأطماع المستمرة ليس في دارفور فقط، ولا في السودان فحسب، بل ليس في القرن الإفريقي وحده، وإنما في العالم أجمع!! فهي تدفع بقوة في اتجاه وجود قوات دُوليّة لحفظ السلام في المنطقة تكون تحت السيطرة المباشرة لمجلس الأمن، ومِن ثَم لأمريكا. وأخيرًا تأتي دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل" لتشارك بقوَّة وصراحة ووضوح في مسألة دارفور، وليس فقط عن طريق تحالف جماعات الضغط الصهيونية في أمريكا والمعروف بتحالف "أنقذوا دارفور"، ولكن أيضًا عن طريق التدخل السافر للحكومة الصهيونية نفسها حيث رصدت الحكومة الصهيونية مبلغ 5 ملايين دولار لمساعدة لاجئي دارفور، وفتحت الباب أمام الجمعيات الخيرية في إسرائيل للمشاركة. كما أعلنت عن استعدادها لشراء أدوية ومعدات لتحليل المياه بما يعادل 800 ألف دولار يتم جمعها من بعض الشركات الصهيونية!! كما سبق أن أعلنت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية اليهودية في اجتماع لها مع بعض السفراء الأفارقة في تل أبيب سنة 2008 أن حكومتها ستسعى لإيجاد حل لأزمة دارفور!! وبالطبع لن تترك المجال عند الحديث عن التدخل الأجنبي في المنطقة دون الإشارة إلى عشرات الجمعيات الإغاثية، والتي تمارس خليطًا من الأعمال الإغاثية من جانب، والتبشيرية التنصيرية من جانب آخر، والإجرامية من جانب ثالث، وليس ببعيدٍ ما فعلته جمعية "لارش دي زو" الفرنسية من خطف أطفال من دارفور لبيعهم لعائلات إنجليزية وفرنسية، حيث تم اكتشاف هذه الفضيحة في أكتوبر 2007، وما خفي كان أعظم!
سادسًا: الأخطاء الإدارية والفكرية الفادحة التي وقعت فيها الحكومة السودانية على مدار عِدَّة عقود أدت إلى الوصول إلى هذا الوضع المعقَّد؛ فواقع الأمر أن الحكومة السودانية لا تتعامل مع دارفور كجزءٍ مهم في الدولة السودانية، وذلك منذ عشرات السنين، وكان منطلقها في ذلك أنها أرض صحراوية تعيش فيها قبائل بدوية، وليس فيها ثروات تُذكر، ولا تداخل مع الشئون السودانية بشكل مؤثر؛ وهذا أدى إلى فقرٍ شديد للمنطقة، وفقدان للبنية التحتية، وانعدام للأمن، وعدم تمثيل مناسب في الحكومة أو البرلمان، وعدم وجود اتصال علمي أو إعلامي مع المنطقة، وغير ذلك من مظاهر الإهمال التي أفقدت الكثير من شعب دارفور الولاء لدولة السودان الأم، وحتى عندما تولى الرئيس عمر البشير الحكم بعد الانقلاب 1989 فإنه تولى في ظروف صعبة تزامنت مع الحرب المدمِّرة في جنوب السودان، والتي أخذت الاهتمام الحكومي السوداني كله، فازداد السقوط المعنوي في دارفور، وهذا كله قاد إلى تنامي حركات التمرد، وحتى عندما تتم جلسات مصالحة أو تفاوض مع زعماء المتمردين، فإنها تكتفي بتأجيل المشكلة لا حلها، وهذا يُهدِّئ الأوضاع لفترة محدودة لتعود لتشتعل بشكل أكبر بعدها بقليل!
سابعًا: الضعف العسكري الشديد للحكومة السودانية، فجيشها لا يزيد على 90 ألف جندي، بإمكانيات عسكرية هزيلة للغاية، وخاصةً بعد المرور بحرب جنوب السودان على مدار عشرين عامًا كاملة، أرهقت الجيش بصورة كبيرة، وهذا الجيش الضعيف لا يستطيع بحال أن يسيطر على المساحات الشاسعة الموجودة بالسودان بصفة عامة، وفي دارفور بصفة خاصة؛ وهذا أدى إلى ظهور عصابات "الجانجويد"، وهي عصابات من قبائل عربية تركب الخيول وتلبس الملابس البيضاء وتحمل الرشاشات، وتتجول بِحُرِّية في ربوع دارفور، فتقتل وتسرق وتفرض ما تريد، ويتَّهِم الغرب الحكومة السودانية بالتعاون مع عصابات الجانجويد، وتنفي الحكومة السودانية ذلك، ولكنه في العموم مظهر من مظاهر الانفلات الأمني، والضعف العسكري غير المقبول؛ فإذا كانت
الحكومة متعاونة مع الجانجويد كما يقول الغرب، فهذا مظهر من مظاهر الضعف حيث لا تستطيع الحكومة بنفسها السيطرة على الأمور فتلجأ إلى البلطجية والمجرمين!ّ . وإذا كانت الحكومة غير متعاونة معهم، فهذا أيضًا مظهر من مظاهر الضعف، حيث تعلن الحكومة بصراحة أنها لا سيطرة لها على عصابات الجانجويد، وأنهم يقتلون من الجيش السوداني كما يقتلون من المتمردين، وهذا وضع في الحقيقة غير مقبول من حكومة مستقرة وجيش نظامي، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة وحساب.
ثامنًا: حالة الجهل الشديدة التي يمر بها أهل دارفور، مع كون الكثير منهم يحفظ كتاب الله عزَّ وجلَّ، فمدارسهم ضعيفة جدًّا، وإعلامهم منعدم، ومِن ثَمَّ فإن السيطرة الفكرية عليهم تصبح سهلة للغاية. وليس بالضرورة أن يكون الأمر بالتحوُّل إلى النصرانية، ولكن يكفي أن يطبِّقوا ما تريده الحركات المتمردة والغرب الصليبي والعدو الصهيوني من فصلٍ للدين عن الدولة، وعلمانية المناهج، وفكرة الانفصال، وهذا أمر قد لا يستنكره الشعب هناك في ظل غياب المعلمين والدعاة والمفكرين المخلصين.تاسعًا: عدم وجود دراسات علمية موثَّقة تشرح طبيعة المنطقة، وتشعباتها الجغرافية والتاريخية والسكانية، وطرق التعامل مع القبائل المختلفة، ومناهج تفكيرهم ومنطلقاتهم، ومِن ثَم فإن الذي يسعى لحلّ المشكلة ولجمع الأطراف لا يستطيع غالبًا أن يدخل من الباب الصحيح، وقد يفشل في الحل حتى لو كان مخلصًا متجردًا؛ حيث لا يملك آليات الحل السليم، ولا المعلومات الدقيقة.عاشرًا: حالة "الطناش" الإسلامية الشنيعة ! فهذه الأحداث المركَّبة تتفاقم منذ أكثر من عشر سنوات، ولا حراك، ولا شك أن ترك السودان بمفرده في هذه الأزمة سيجعل قضية انفصال دارفور أمرًا مسلَّمًا به، وعندها لن ينفع العويل، ولن تفيد العواطف، ولن يجدي البكاء على اللبن المسكوب!كانت هذه النقطة العاشرة، فتلك عشرة كاملة! وقد يكون هناك عوامل أخرى لم نذكرها لقلة المعلومات، أو لضيق الوقت، ولكن الشاهد من كل ذلك أن احتماليات انفصال دارفور واردة جدًّا نتيجة كل هذه المعطيات.ومع ذلك فنحن لا نذكر كل ما سبق لنقول إنّ الدنيا مظلمة، وإنّ الأمل مفقود، بل إننا نسعى لإيجاد حلٍّ منطقي ومقبول للأزمة، ولا يكون ذلك إلا بمصارحة وشفافية وكشف للأوراق، ومع أننا ضدّ قرار المحكمة الجنائية الدولية قلبًا وقالبًا إلا أننا من منطلق الأخوّة الإسلامية، والأمانة العلمية ندعو إخواننا في الحكومة السودانية إلى إعادة النظر في "ملف دارفور" بهذه المعطيات التي ذكرناها، وبغيرها من التي لا نعرفها.إن الأمر جِدُّ خطير، لكن الإصلاح ليس مستحيلاً، إنما له آليات معروفة، وطرق مجرَّبة، واحتفاظ السودان بدارفور واجب قومي وفريضة شرعية، لكن لا بد من الأخذ بالأسباب الصحيحة، والسير في الطرق المدروسة.ولعلّ هذه فرصة لقُرَّاء المقال الأعِزَّاء أن يشاركونا بالرأي في آليات حل هذه الأزمة، وسوف يكون مقالنا في الأسبوع القادم - بإذن الله - عن هذه الآليات، فنسأله سبحانه السداد والتوفيق.حَفِظَ الله السودان، وأهل السودان!!ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق