بقلم : محمد محيى الدين
لا أحب المبالغة في النقد أو تضخيم الألفاظ عند انتقاد ظاهرة موجودة، ولكن بالفعل- وأنا الآن أقضي السنة الخامسة لي في جامعة القاهرة- أستطيع أن أقول: إن شخصية الطالب في الجامعات المصرية هي شخصية مقتولة أو ممسوخة.
المظاهر
تأتي مظاهر هذا المَسخ وهذا القتل بينةً وظاهرةً وجليةً لكل مَن يرى:
1- فعلى نطاق الأسر: أصبحت هذه الأسر تحت رحمة إدارات رعاية الشباب على مستوى الجامعات، وأصبح مطلوبًا من كل طالب يريد أن يعلق ورقة أو يعبِّر عن رأيه أن يذهب ليستأذن موظفًا تلو موظفٍ ويطلب منه أن ينتظر الرد بالأيام والأسابيع، وربما يأتي الرد رافضًا لنشاط الطلاب، أو ربما يأتي تعديلاً بالأمر المباشر وبفرض تدخلات، سواء من الموظفين أو من أعضاء هيئة التدريس، ولا توجد أية إرادة للطلبة أو احترام لسنهم وعمرهم، وإنهم لم يعودوا أطفالاً وقادرون على أن يديروا أنفسهم بشكل جيد.
2- على نطاق التعليم والدراسة: أصبحت المناهج الدراسية في "معظم" الكليات العملية أو النظرية تعتمد بشكل أساسي على كيفية اجتياز الامتحان، وقلة قليلة جدًّا من الأقسام في الكليات هي التي تهتم بصقل شخصية الطالب وتنمية مهاراته في التعبير وتنمية مهارات العرض والتقديم.. قلة قليلة هي التي تعطي الطالب إحساسه بشخصيته وتستمع إلى انتقادات الطلاب ورغباتهم ومقترحاتهم، والغالبية للأسف يتعاملون مع الطلاب على أنهم مجموعة من "المتلقِّين"، ويتجاهلون جانب التفاعل من الطلاب.
اختفت تقريبًا في أغلب الكليات مؤتمرات الأقسام لسماع وجهات نظر الطلاب في المواد المقدمة وكيفية تطويرها.
3- على نطاق اتحادات الطلاب وصنع الطلاب لقرارهم: تم إحكام القبضة الإدارية والأمنية على اتحادات الطلاب، وأصبح أمناء الكليات مجرد "ديكور" للنشاط، وأصبحت السلطة في إدارة الأنشطة في أيدي مديري رعاية الشباب ووكلاء وعمداء الكليات.
فلم نجد أي دور "معلن" لاتحادات الطلاب في اعتماد ميزانيات الأنشطة، وأصبح الموضوع كله قيد الكتمان وسط تكهنات بوجود فساد مالي ضخم داخل اتحادات الطلاب وإدارات رعاية الشباب.
فلم نجد حتى الآن اتحاد طلاب واحدًا يعارض إدارة كليته متبنِّيًا رأي الطلاب، والغالبية الأعم هي أغلبية "منصاعة" لقرارات إدارة الكلية، ولا تستطيع أن تقول لها: "لا"، علمًا بأنه حينما كانت اتحادات الطلاب حرةً وكان هناك مَن يجرؤ على أن يقول: "لا"، كانت الجامعة تعيش أزهى عصورها من حيث التربية الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
قتل خطأ أم بفعل فاعل؟
وفي ظني أن هذا القتل مقصود لشخصية الطالب وليس سهوًا أو نتيجةً للإهمال، وهذا ليس اتهامًا بدون دليل أو خوضًا في نوايا الآخرين بقدر ما هو تحليل لمعطيات الواقع الموجود في المجتمع المصري.
وسبب هذا التعمد- من وجهة نظري- هو أنه إذا سُمح للجامعات بأن تكون محضنًا فكريًّا وثقافيًّا وسياسيًّا للطلاب، فسيتخرج جيل على قدر كبير من الوعي وعلى قدر كبير من الإرادة وعلى قدر كبير من الاستقلالية والشجاعة والرغبة في صنع التغيير.
وإذا انتشر هذا الوعي بين الفئة التي تضمها الجامعات المصرية- وهي من أخطر الفئات وهي "الشباب"- فإن ذلك يشكِّل أكبر خطر على النظام المصري الحالي إن لم يكن يمثل بداية نهايته الفعلية؛ لأن النظام المصري يعتمد بشكل أساسي في استمراره على سلبية الشباب وانصرافه عن السياسة وعدم التركيز عليها، بل وتخويف كل مَن يهتم بها، في الوقت ذاته الذي يدَّعي فيه زيفًا وزورًا أنه حامي حمى الديمقراطية!!.
إن النظام المصري بقمعه للحريات داخل الجامعة ليحميَ نفسه من ظهور أية معارضة شعبية شبابية ضده، فإنه بذلك يدمِّر جيلاً كاملاً من الشباب؛ سياسيًّا وفكريًّا وثقافيًّا؛ ليخرج جيلاً مهتمًّا بأتفه الأمور بدلاً من أن يهتم بقضايا بلده ويحرص على مصلحتها ومحاربة الفساد الذي استفحل في كل مؤسساتها.
العلاج الذي أحلم به
وكعلاج للوضع المؤلم الحالي فإنني أرى أن وجود "حرية مسئولة" داخل الجامعة ربما يُحدث تغييرًا في المجتمع المصري كله وليس في الجامعة فقط.
هذه الحرية المسئولة مطلوبةٌ في الانتخابات الطلابية بحيث تكون معبِّرةً عن عموم الطلاب بكافة أفكارهم وميولهم.
هذه الحرية المسئولة مطلوبةٌ في ممارسة النشاط الطلابي، وأطالب بأن يتاح للطلاب حرية تعليق اللافتات وتخصيص أماكن لتعليقها لعموم الطلاب، وأن تكون هناك رقابة بعد تعليق هذه اللافتات وليس قبلها كضمانٍ لعدم نشر أشياء مسيئة خلقيًّا.
أطالب بأن تخصَّص أماكن ثابتة في الكليات لإقامة المعارض المستمرة للطلاب لعرض إنتاجهم الفكري والثقافي والسياسي دون استئذان من الأمن أو الإدارة.
أطالب بأن تُفتح حرية تشكيل الأسر دون قيود أمنية أو شروط تعجيزية.
أطالب بأن تعود الندوات الجماهيرية الطلابية إلى الجامعة من جديد، وأن يستضاف فيها كل الشخصيات دون منع أمني لشخصيةٍ والسماح لأخرى.
أطالب بأن يعود اتحاد الطلاب اتحادًا للطلاب وليس اتحادًا لمجموعة من الطلاب اتحدوا مع الإدارة والأمن على السيطرة على الجامعة وحرمان الآخرين من حقهم في المشاركة.
أحلم فعلاً من كل قلبي باليوم الذي تنعم فيه الجامعة بحريتها واستقلاليتها، ربما لن أشهد هذا اليوم وأنا طالب، لكن فعلاً أتمنى أن أرى الحرية المسئولة داخل جامعات مصر متحقِّقةً، وأحلم من كل قلبي بهذا اليوم، وأطلب منكم جميعًا أن نعمل لهذا اليوم ولا نيأس أو نكلّ أو نملّ.
ولن نترك القاتل يستمر في القتل السنة تلو الأخرى، وعلى الطلاب المُخلصين في رسالتهم أن يقفوا للقتلة وأن يعملوا على البناء وفك حصار جامعتهم، وما أكثر المحاصرين هذه الأيام!.
المظاهر
تأتي مظاهر هذا المَسخ وهذا القتل بينةً وظاهرةً وجليةً لكل مَن يرى:
1- فعلى نطاق الأسر: أصبحت هذه الأسر تحت رحمة إدارات رعاية الشباب على مستوى الجامعات، وأصبح مطلوبًا من كل طالب يريد أن يعلق ورقة أو يعبِّر عن رأيه أن يذهب ليستأذن موظفًا تلو موظفٍ ويطلب منه أن ينتظر الرد بالأيام والأسابيع، وربما يأتي الرد رافضًا لنشاط الطلاب، أو ربما يأتي تعديلاً بالأمر المباشر وبفرض تدخلات، سواء من الموظفين أو من أعضاء هيئة التدريس، ولا توجد أية إرادة للطلبة أو احترام لسنهم وعمرهم، وإنهم لم يعودوا أطفالاً وقادرون على أن يديروا أنفسهم بشكل جيد.
2- على نطاق التعليم والدراسة: أصبحت المناهج الدراسية في "معظم" الكليات العملية أو النظرية تعتمد بشكل أساسي على كيفية اجتياز الامتحان، وقلة قليلة جدًّا من الأقسام في الكليات هي التي تهتم بصقل شخصية الطالب وتنمية مهاراته في التعبير وتنمية مهارات العرض والتقديم.. قلة قليلة هي التي تعطي الطالب إحساسه بشخصيته وتستمع إلى انتقادات الطلاب ورغباتهم ومقترحاتهم، والغالبية للأسف يتعاملون مع الطلاب على أنهم مجموعة من "المتلقِّين"، ويتجاهلون جانب التفاعل من الطلاب.
اختفت تقريبًا في أغلب الكليات مؤتمرات الأقسام لسماع وجهات نظر الطلاب في المواد المقدمة وكيفية تطويرها.
3- على نطاق اتحادات الطلاب وصنع الطلاب لقرارهم: تم إحكام القبضة الإدارية والأمنية على اتحادات الطلاب، وأصبح أمناء الكليات مجرد "ديكور" للنشاط، وأصبحت السلطة في إدارة الأنشطة في أيدي مديري رعاية الشباب ووكلاء وعمداء الكليات.
فلم نجد أي دور "معلن" لاتحادات الطلاب في اعتماد ميزانيات الأنشطة، وأصبح الموضوع كله قيد الكتمان وسط تكهنات بوجود فساد مالي ضخم داخل اتحادات الطلاب وإدارات رعاية الشباب.
فلم نجد حتى الآن اتحاد طلاب واحدًا يعارض إدارة كليته متبنِّيًا رأي الطلاب، والغالبية الأعم هي أغلبية "منصاعة" لقرارات إدارة الكلية، ولا تستطيع أن تقول لها: "لا"، علمًا بأنه حينما كانت اتحادات الطلاب حرةً وكان هناك مَن يجرؤ على أن يقول: "لا"، كانت الجامعة تعيش أزهى عصورها من حيث التربية الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
قتل خطأ أم بفعل فاعل؟
وفي ظني أن هذا القتل مقصود لشخصية الطالب وليس سهوًا أو نتيجةً للإهمال، وهذا ليس اتهامًا بدون دليل أو خوضًا في نوايا الآخرين بقدر ما هو تحليل لمعطيات الواقع الموجود في المجتمع المصري.
وسبب هذا التعمد- من وجهة نظري- هو أنه إذا سُمح للجامعات بأن تكون محضنًا فكريًّا وثقافيًّا وسياسيًّا للطلاب، فسيتخرج جيل على قدر كبير من الوعي وعلى قدر كبير من الإرادة وعلى قدر كبير من الاستقلالية والشجاعة والرغبة في صنع التغيير.
وإذا انتشر هذا الوعي بين الفئة التي تضمها الجامعات المصرية- وهي من أخطر الفئات وهي "الشباب"- فإن ذلك يشكِّل أكبر خطر على النظام المصري الحالي إن لم يكن يمثل بداية نهايته الفعلية؛ لأن النظام المصري يعتمد بشكل أساسي في استمراره على سلبية الشباب وانصرافه عن السياسة وعدم التركيز عليها، بل وتخويف كل مَن يهتم بها، في الوقت ذاته الذي يدَّعي فيه زيفًا وزورًا أنه حامي حمى الديمقراطية!!.
إن النظام المصري بقمعه للحريات داخل الجامعة ليحميَ نفسه من ظهور أية معارضة شعبية شبابية ضده، فإنه بذلك يدمِّر جيلاً كاملاً من الشباب؛ سياسيًّا وفكريًّا وثقافيًّا؛ ليخرج جيلاً مهتمًّا بأتفه الأمور بدلاً من أن يهتم بقضايا بلده ويحرص على مصلحتها ومحاربة الفساد الذي استفحل في كل مؤسساتها.
العلاج الذي أحلم به
وكعلاج للوضع المؤلم الحالي فإنني أرى أن وجود "حرية مسئولة" داخل الجامعة ربما يُحدث تغييرًا في المجتمع المصري كله وليس في الجامعة فقط.
هذه الحرية المسئولة مطلوبةٌ في الانتخابات الطلابية بحيث تكون معبِّرةً عن عموم الطلاب بكافة أفكارهم وميولهم.
هذه الحرية المسئولة مطلوبةٌ في ممارسة النشاط الطلابي، وأطالب بأن يتاح للطلاب حرية تعليق اللافتات وتخصيص أماكن لتعليقها لعموم الطلاب، وأن تكون هناك رقابة بعد تعليق هذه اللافتات وليس قبلها كضمانٍ لعدم نشر أشياء مسيئة خلقيًّا.
أطالب بأن تخصَّص أماكن ثابتة في الكليات لإقامة المعارض المستمرة للطلاب لعرض إنتاجهم الفكري والثقافي والسياسي دون استئذان من الأمن أو الإدارة.
أطالب بأن تُفتح حرية تشكيل الأسر دون قيود أمنية أو شروط تعجيزية.
أطالب بأن تعود الندوات الجماهيرية الطلابية إلى الجامعة من جديد، وأن يستضاف فيها كل الشخصيات دون منع أمني لشخصيةٍ والسماح لأخرى.
أطالب بأن يعود اتحاد الطلاب اتحادًا للطلاب وليس اتحادًا لمجموعة من الطلاب اتحدوا مع الإدارة والأمن على السيطرة على الجامعة وحرمان الآخرين من حقهم في المشاركة.
أحلم فعلاً من كل قلبي باليوم الذي تنعم فيه الجامعة بحريتها واستقلاليتها، ربما لن أشهد هذا اليوم وأنا طالب، لكن فعلاً أتمنى أن أرى الحرية المسئولة داخل جامعات مصر متحقِّقةً، وأحلم من كل قلبي بهذا اليوم، وأطلب منكم جميعًا أن نعمل لهذا اليوم ولا نيأس أو نكلّ أو نملّ.
ولن نترك القاتل يستمر في القتل السنة تلو الأخرى، وعلى الطلاب المُخلصين في رسالتهم أن يقفوا للقتلة وأن يعملوا على البناء وفك حصار جامعتهم، وما أكثر المحاصرين هذه الأيام!.
..........................
* المتحدث باسم طلاب الإخوان بجامعة القاهرة
0 التعليقات:
إرسال تعليق