السؤال : فضيلة الشيخ لعلكم سمعتم عن هذه المشكلة التي يتحدث الناس عنها الآن وهي مشكلة انفلونزا الخنازير فما رأي الشرع فيها وهل ما تفعله الحكومة الآن جائز ؟
يجيب عن هذا السؤال فضيلة الدكتور رجب أبو مليح
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه
انتشر الذعر في أوساط الناس جميعا بسبب انفلونزا الخنازير، وهذه حلقة من سلسة الأمراض التي منيت بها الإنسانية في هذا الزمان، بعد أن حسبت أنها قادرة على كل شيء، فبإمكانها قهر المرض والفقر والمناخ، وغير ذلك بسبب النهضة العلمية التي أحدثت طفرة كبيرة في كافة مناحي الحياة.
فتارة نرى سيولا وأعاصير لا طاقة للبشر في دفعها، ولا حيلة لهم في التصدي لها، فيقفوا عاجزين بعد أن تدمر كل شيء بأمر ربها ، ولا تملك أعتى الدول وأكثرها سلطانا، وأقواها بأسا، أن تفعل شيئا.
وتارة نرى أزمة مالية تأكل الأخضر واليابس، وتهلك الحرث والنسل، ولا يقوى أحد على تفسيرها والوقوف على أسبابها بشكل يقيني فضلا عن إيجاد الحلول المناسبة للخروج منها.
وثالثة الأسافي ـ ونسأل الله أن تكون الأخيرة ـ ما يعرف (بأنفلونزا) الخنازير ونسأل الله أن يرفع البلاء والضراء عن الناس أجمعين .
والسؤال المطروح الآن ماذا تفعل الحكومات والأفراد والهيئات والمجتمعات تجاه هذه الكارثة؟.
ونستطيع أن نقول إن هذه مسئولية مشتركة لا بد أن تتضافر فيها الجهود وتتعاون وتتكامل، ويقوم كل فرد فيها بدوره، فللمجتمع دور لا يمكن للحكومات أن تقوم به بمفردها، وللحكومات دور لا يمكن للأفراد القيام به، وعلى الأفراد مسئولية لا يمكن إغفالها .
وكل إنسان راع ومسئول عن رعيته.
وسنتناول هنا بإيجاز الأحكام الفقهية التي تترتب على هذا :
أولا: قتل الخنازير سواء أكانت مصابة أم خوفا من المرض.
لا يشك عاقل أن الضرر يزال، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا ضرر ولا ضرار، ولنهي الله تعالى عن إلقاء الأيدي للتهلكة، يقول الله تعالى(وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) -البقرة : 195-
ونهيه عن قتل النفس (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) -النساء : 29-
فقتل الخنزير إن كان يحمل هذا الفيرس، أو لا يحمله ولكنه يخشى من إصابته في المستقبل، هذه الإصابة التي تنتقل من إنسان إلى إنسان، ولا يعرف لها علاج حتى الآن، هذا القتل جائز، ولا نبالغ إن قلنا إنه واجب، حيث يترتب عليه حفظ النفس، وحفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية العظمى، وحفظها مقدم على حفظ المال في حالة ما اعتبرنا الخنزير مالا متقوما معترفا به في الشريعة الإسلامية وهذا لا يكون إلا في حالة تملك أهل الكتاب للخنزير.
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويدفع الضرر الأعلى بالضرر الأدنى، وتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
ونظرية الضرر نظرية من النظريات الفقهية الضخمة، وهي نظرية مكتملة الأركان تقوم على أسس ثلاثة:
الأساس الأول: منع الضرر
وهو يقوم في الأصل على أخذ كافة التدابير والاحتياطات لمنع وقوع الضرر، وهو في حالتنا الآن قتل هذا الحيوان الذي ربما يكون سببا في وباء يقضي على الأخضر واليابس، بالإضافة لتوعية المجتمع حتى يساعد الحكومات كي تقوم بواجبها تجاه تأمين الشعوب من هذه الأخطار، وتوعيتهم بطرق الوقاية ـ إن كانت متاحة ـ، وعدم السكوت عن محاولات الالتفاف على القانون، والتفلت منه حفاظا على المال في مقابل هدم الإنسان نفسه .
الأساس الثاني: دفع الضرر
وهذا الأساس يعمل عند وقوع الضرر فعلينا ببذل أقصى الجهد لدفع هذا الضرر، ومحاولة الحيلولة بينه وبين أن يحدث آثاره، وهو في حالتنا هذه القيام بالتخلص الفوري والآمن من الحيوان الذي يحمل العدوى ، وتوفير سبل الوقاية من انتقال المرض سواء من الحيوان للإنسان أو من إنسان إلى إنسان آخر، ونشر الوعي بين الناس لتجنب الإصابة وانتقال العدوى لا قدر الله .
الأساس الثالث: رفع الضرر
وهذا يحدث ـ لا قدر الله ـ إن وقع المحذور بعد إعمال جانب المنع والدفع ووقوع المحذور بعد ذلك ويعمل هذا على رفع الضرر بالقدر المستطاع وترميم آثاره حتى لا يلازم الناس طوال حياتهم.
وبناء على ما تقدم نرى أنه من حق الحكومات القيام بواجبها تجاه حماية الناس من هذا الوباء.
ثانيا: تعويض المتضررين من قتل هذه الحيوانات
هذه الحيوانات إما أن تكون مملوكة للمسلمين، أو لغير المسلمين، فإن كانت لمسلمين فهي أموال غير متقومة ، ومعنى ذلك أن الشريعة لا تعترف بمالية هذه الأشياء؛ لأنها محرمة لذاتها مثل الخمر والخنزير وغيرها، ومن ثم فالمسلم الذي يربي الخنزير آثم، ومخالف لأحكام الشريعة الإسلامية؛ سواء أكان يربيها من أجل أكلها أو بيعها، أو غير ذلك ، فالخنزير مجمع على تحريم أكله وحرمة الانتفاع بثمنه ما دام في صورته الأولية دون أن يحدث له تحول كميائي.
وبالتالي يحرم على المسلم ديانة، ويجرم قضاء تربية الخنازير ، ولا يجوز للدولة المسلمة بحكم الدستور والقانون أن تعوض المسلمين الذي يمتلكون هذه الخنازير، بل لها الحق في عقوبتهم العقوبة المناسبة حيث إنهم منتهكون لحرمة الشرع، ومجاهرون بالمعصية، وعلى الحاكم تعزيرهم بالعقوبة المناسبة.
ولكن يثار هنا سؤال هام: ماذا عن فقراء المسلمين الذين سُمح لهم في غيبة من أحكام الشريعة الإسلامية بتربية الخنازير، وما نشأت حولها من أعمال على هامش هذه التجارة المحرمة ؟؟
كيف يصنع هؤلاء وقد رتبوا أوضاعهم ونفقات أولادهم على هذا الكسب الحرام ؟
والجواب ـ من وجهة نظري ـ أن على الحكومة أن تكقل هؤلاء إن كانوا فقراء بتوفير عمل مناسب لهم، واستبدال هذه الأعمال المحرمة بغيرها من الأعمال الجائزة، وتوفير عمل شريف لهم، لكنها لا تدفع تعويضا ماليا محددا على مال لا تعترف الشريعة الإسلامية بقيمته، ولا تدفع للأغنياء منهم، لأن هذه إعانة من الحكومة وليست تعويضا للضرر، ولا ترتبط الإعانة بما أتلفته من الخنازير، ولكنها ترتبط بحاجة الفقير، لأن الحكومة مسئولة عن رعاياها على أية حال .
أما إن كانت مملوكة لغير المسلمين، وأجازت لهم الدولة تربيتها بالضوابط الشرعية لهذه التربية، بحيث لا يبيعونها إلا لغير المسلمين، واستخراج التصاريح اللازمة قانونا لتربية مثل هذه الأشياء فعلى الحكومة تعويضهم تعويضا ماليا مناسبا، حيث إن هذه الأموال متقومة بحكم الشريعة الإسلامية.
ثالثا: تبقى عدة أحكام خاصة بعزل المريض عزلا تاما، وعدم اختلاطه بالناس سواء في بيته، أو في المسجد، أو السوق أو غير ذلك، وهذا كله واجب الفرد وواجب المجتمع إعمالا لمقاصد الشرع في حفظ الأبدان ، وإعمالا لقواعد الضرر في الشريعة الإسلامية.والله أعلم.
يجيب عن هذا السؤال فضيلة الدكتور رجب أبو مليح
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه
انتشر الذعر في أوساط الناس جميعا بسبب انفلونزا الخنازير، وهذه حلقة من سلسة الأمراض التي منيت بها الإنسانية في هذا الزمان، بعد أن حسبت أنها قادرة على كل شيء، فبإمكانها قهر المرض والفقر والمناخ، وغير ذلك بسبب النهضة العلمية التي أحدثت طفرة كبيرة في كافة مناحي الحياة.
فتارة نرى سيولا وأعاصير لا طاقة للبشر في دفعها، ولا حيلة لهم في التصدي لها، فيقفوا عاجزين بعد أن تدمر كل شيء بأمر ربها ، ولا تملك أعتى الدول وأكثرها سلطانا، وأقواها بأسا، أن تفعل شيئا.
وتارة نرى أزمة مالية تأكل الأخضر واليابس، وتهلك الحرث والنسل، ولا يقوى أحد على تفسيرها والوقوف على أسبابها بشكل يقيني فضلا عن إيجاد الحلول المناسبة للخروج منها.
وثالثة الأسافي ـ ونسأل الله أن تكون الأخيرة ـ ما يعرف (بأنفلونزا) الخنازير ونسأل الله أن يرفع البلاء والضراء عن الناس أجمعين .
والسؤال المطروح الآن ماذا تفعل الحكومات والأفراد والهيئات والمجتمعات تجاه هذه الكارثة؟.
ونستطيع أن نقول إن هذه مسئولية مشتركة لا بد أن تتضافر فيها الجهود وتتعاون وتتكامل، ويقوم كل فرد فيها بدوره، فللمجتمع دور لا يمكن للحكومات أن تقوم به بمفردها، وللحكومات دور لا يمكن للأفراد القيام به، وعلى الأفراد مسئولية لا يمكن إغفالها .
وكل إنسان راع ومسئول عن رعيته.
وسنتناول هنا بإيجاز الأحكام الفقهية التي تترتب على هذا :
أولا: قتل الخنازير سواء أكانت مصابة أم خوفا من المرض.
لا يشك عاقل أن الضرر يزال، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا ضرر ولا ضرار، ولنهي الله تعالى عن إلقاء الأيدي للتهلكة، يقول الله تعالى(وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) -البقرة : 195-
ونهيه عن قتل النفس (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) -النساء : 29-
فقتل الخنزير إن كان يحمل هذا الفيرس، أو لا يحمله ولكنه يخشى من إصابته في المستقبل، هذه الإصابة التي تنتقل من إنسان إلى إنسان، ولا يعرف لها علاج حتى الآن، هذا القتل جائز، ولا نبالغ إن قلنا إنه واجب، حيث يترتب عليه حفظ النفس، وحفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية العظمى، وحفظها مقدم على حفظ المال في حالة ما اعتبرنا الخنزير مالا متقوما معترفا به في الشريعة الإسلامية وهذا لا يكون إلا في حالة تملك أهل الكتاب للخنزير.
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويدفع الضرر الأعلى بالضرر الأدنى، وتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
ونظرية الضرر نظرية من النظريات الفقهية الضخمة، وهي نظرية مكتملة الأركان تقوم على أسس ثلاثة:
الأساس الأول: منع الضرر
وهو يقوم في الأصل على أخذ كافة التدابير والاحتياطات لمنع وقوع الضرر، وهو في حالتنا الآن قتل هذا الحيوان الذي ربما يكون سببا في وباء يقضي على الأخضر واليابس، بالإضافة لتوعية المجتمع حتى يساعد الحكومات كي تقوم بواجبها تجاه تأمين الشعوب من هذه الأخطار، وتوعيتهم بطرق الوقاية ـ إن كانت متاحة ـ، وعدم السكوت عن محاولات الالتفاف على القانون، والتفلت منه حفاظا على المال في مقابل هدم الإنسان نفسه .
الأساس الثاني: دفع الضرر
وهذا الأساس يعمل عند وقوع الضرر فعلينا ببذل أقصى الجهد لدفع هذا الضرر، ومحاولة الحيلولة بينه وبين أن يحدث آثاره، وهو في حالتنا هذه القيام بالتخلص الفوري والآمن من الحيوان الذي يحمل العدوى ، وتوفير سبل الوقاية من انتقال المرض سواء من الحيوان للإنسان أو من إنسان إلى إنسان آخر، ونشر الوعي بين الناس لتجنب الإصابة وانتقال العدوى لا قدر الله .
الأساس الثالث: رفع الضرر
وهذا يحدث ـ لا قدر الله ـ إن وقع المحذور بعد إعمال جانب المنع والدفع ووقوع المحذور بعد ذلك ويعمل هذا على رفع الضرر بالقدر المستطاع وترميم آثاره حتى لا يلازم الناس طوال حياتهم.
وبناء على ما تقدم نرى أنه من حق الحكومات القيام بواجبها تجاه حماية الناس من هذا الوباء.
ثانيا: تعويض المتضررين من قتل هذه الحيوانات
هذه الحيوانات إما أن تكون مملوكة للمسلمين، أو لغير المسلمين، فإن كانت لمسلمين فهي أموال غير متقومة ، ومعنى ذلك أن الشريعة لا تعترف بمالية هذه الأشياء؛ لأنها محرمة لذاتها مثل الخمر والخنزير وغيرها، ومن ثم فالمسلم الذي يربي الخنزير آثم، ومخالف لأحكام الشريعة الإسلامية؛ سواء أكان يربيها من أجل أكلها أو بيعها، أو غير ذلك ، فالخنزير مجمع على تحريم أكله وحرمة الانتفاع بثمنه ما دام في صورته الأولية دون أن يحدث له تحول كميائي.
وبالتالي يحرم على المسلم ديانة، ويجرم قضاء تربية الخنازير ، ولا يجوز للدولة المسلمة بحكم الدستور والقانون أن تعوض المسلمين الذي يمتلكون هذه الخنازير، بل لها الحق في عقوبتهم العقوبة المناسبة حيث إنهم منتهكون لحرمة الشرع، ومجاهرون بالمعصية، وعلى الحاكم تعزيرهم بالعقوبة المناسبة.
ولكن يثار هنا سؤال هام: ماذا عن فقراء المسلمين الذين سُمح لهم في غيبة من أحكام الشريعة الإسلامية بتربية الخنازير، وما نشأت حولها من أعمال على هامش هذه التجارة المحرمة ؟؟
كيف يصنع هؤلاء وقد رتبوا أوضاعهم ونفقات أولادهم على هذا الكسب الحرام ؟
والجواب ـ من وجهة نظري ـ أن على الحكومة أن تكقل هؤلاء إن كانوا فقراء بتوفير عمل مناسب لهم، واستبدال هذه الأعمال المحرمة بغيرها من الأعمال الجائزة، وتوفير عمل شريف لهم، لكنها لا تدفع تعويضا ماليا محددا على مال لا تعترف الشريعة الإسلامية بقيمته، ولا تدفع للأغنياء منهم، لأن هذه إعانة من الحكومة وليست تعويضا للضرر، ولا ترتبط الإعانة بما أتلفته من الخنازير، ولكنها ترتبط بحاجة الفقير، لأن الحكومة مسئولة عن رعاياها على أية حال .
أما إن كانت مملوكة لغير المسلمين، وأجازت لهم الدولة تربيتها بالضوابط الشرعية لهذه التربية، بحيث لا يبيعونها إلا لغير المسلمين، واستخراج التصاريح اللازمة قانونا لتربية مثل هذه الأشياء فعلى الحكومة تعويضهم تعويضا ماليا مناسبا، حيث إن هذه الأموال متقومة بحكم الشريعة الإسلامية.
ثالثا: تبقى عدة أحكام خاصة بعزل المريض عزلا تاما، وعدم اختلاطه بالناس سواء في بيته، أو في المسجد، أو السوق أو غير ذلك، وهذا كله واجب الفرد وواجب المجتمع إعمالا لمقاصد الشرع في حفظ الأبدان ، وإعمالا لقواعد الضرر في الشريعة الإسلامية.والله أعلم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق