بقلم : د. محمد البلتاجى
فى مقالين سابقين لى «أعتبرهما جزءاً رئيسياً من هذا المقال» كان الأول بعنوان «حقيقة التوريث والمسؤولية التاريخية للنخبة الوطنية» والثانى بعنوان «كارثة التوريث والنهج البديل»، أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن انتقال السلطة من الرئيس مبارك إلى نجله أصبح هو المشهد الرئيسى فى المسرح السياسى المصرى، بل هو لب وجوهر ومحور الأحداث المصرية كلها الداخلية والخارجية،
ومن ثم وجب على الجميع التعامل معه بقدر من المسؤولية التاريخية التى تليق بمكانة مصر ومكانة شعبها، وأكدت كذلك أن خطوات عشر- سميتها الخطايا العشر- قد تم إنجازها تهيئة للمرور الآمن للتوريث، وقد أصابت كل خطوة منها عافية الوطن وطعنته فى مقتل، وأكدت بالدليل والبرهان كيف أن الفساد والاستبداد قرناء التوريث لا يمكنه الانفكاك عنهما لا فى مجيئه ولا فى استمراره بعد مجيئه، ومن ثم فالوطن تنتظره كارثة تشكل خطورة كبيرة على حاضره ومستقبله. وهذا الذى نريده لن يتأتى إلا من خلال: «المطالب العشرة»:
١- تعديل المادة ٧٦ من الدستور «بما يتيح للمجتمع حق ترشيح من يراه مناسباً دون قيود إلا ضمانات الجدية»، والمادة ٧٧ «ليكون الحد الأقصى للتجديد للرئاسة مرتين فيتوقف التمديد والتأبيد»، والمادة ٨٨ «بما يحقق الإشراف القضائى الحقيقى على الانتخابات العامة».
٢- شفافية ونزاهة الانتخابات العامة «الرئاسية والنيابية والمحلية» من خلال الضمانات المتعارف عليها دولياً «جداول الناخبين الإلكترونية- التصويت بالرقم القومى- الإشراف القضائى والرقابة المجتمعية والدولية- حرية اللقاء بالناخبين وتكافؤ فرص الظهور فى الإعلام الحكومى بين المرشحين- حياد الجهاز الأمنى والهيكل الإدارى للدولة وعدم تدخله بأى شكل من الأشكال فى العملية الانتخابية- احترام وتنفيذ أحكام القضاء وإلغاء مبدأ أن المجلس سيد قراره... إلخ».
٣- استقلال حقيقى للسلطة القضائية «بعيداً عن تبعية السلطة التنفيذية ووصاية الأجهزة الأمنية»، ووقف إهدار أحكام القضاء.
٤- وقف العمل بقانون الطوارئ ووقف إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية والاستثنائية.
٥- إطلاق الحريات العامة من قيودها المتعسفة «حرية التعبير- حرية التظاهر- حرية التجمع والتنظيم المدنى- حرية تأسيس الأحزاب- حرية إصدار الصحف ونشر الفكر».
٦- إطلاق الحريات النقابية المهنية والطلابية والعمالية، وحرية العمل الأهلى، وعدم التدخل الأمنى فى جميع أنشطة المجتمع المدنى.
٧- الشفافية فى اختيار المواقع القيادية فى أى من مواقع الهيكل الإدارى للدولة ليكون الاختيار بناء على معايير الكفاءة والتخصص وليس الولاء والثقة، مع ضرورة فض المزاوجة بين الثروة والسلطة لتعارض المصلحتين.
٨- وقف جميع أشكال الوصاية والهيمنة الأمنية على مؤسسات الدولة «سواء فى ذلك السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية» أو مؤسسات المجتمع المدنى «نقابات- اتحادات- تعاونيات- جمعيات- نواد- منظمات أهلية» لتتفرغ جميع السلطات والمؤسسات لأداء أدوارها على النحو الذى يحقق رسالتها الصحيحة فى خدمة مصالح الشعب.
٩- الفصل التام بين الهيكل الإدارى للدولة «والمؤسسات التابعة له» وبين الحزب الحاكم «ومصالحه الحزبية التنافسية ضد خصومه السياسيين».
١٠- الفصل التام بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الحزب الحاكم، فيبقى رئيس الدولة رئيساً لكل المصريين، ويتوقف الخلط بين المصالح الوطنية والمصالح الحزبية.
نداء إلى صاحب الفخامة السيد رئيس الجمهورية:
سيدى الرئيس: هذه المطالب العشرة التى ذكرتها- آنفاً- يرى كثيرون أنها تمثل نقطة البداية لإصلاح حال الوطن، ونقطة الانطلاق للخروج من المأزق السياسى الذى انعكس بالسلب على جميع أوضاعنا «الخارجية والداخلية، ليس فقط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية بل حتى العلمية والثقافية بل أنماط السلوك والأخلاق الاجتماعية»، وأنتم أكثر منا إدراكاً أن مصرنا الحبيبة تستحق أفضل من هذا الذى وصلت إليه، والبعض يدعو لمرحلة انتقالية- سنتين مثلاً- وحكومة انتقالية أو مجلس انتقالى يحقق هذه المطالب للخروج بالوطن مما هو فيه، ونحن نطلب منك أن تقوم أنت بإعلان هذه المرحلة الانتقالية التى تتحقق فيها هذه المطالب العشرة، ليسترد الوطن عافيته وليأت بعد ذلك من يأت فى ظل أوضاع سياسية رشيدة وديمقراطية حقيقية ومجتمع مدنى قوى ومنظومة سلطات متوازنة، تعود بها مصر إلى موقعها ومكانتها الرائدة التى تستحقها، فقيامكم أنتم بتلبية هذه المطالب أدعى لاستقرار الوطن وتجنيبه الفوضى، وبها يخلد الله ذكرك فى الدنيا والآخرة، وتحفظ لك الأجيال ويسطر لك التاريخ هذا الموقف بمداد من نور.
إلى السيد جمال مبارك:
قلت فى مقالى السابق إنه ليس بيننا وبينك خصومة شخصية، وقلت فى صدر مقالى هذا إننا نريد أن نمارس حقوقنا كشعب يحق له أن يختار قياداته بنفسه ودون وصاية من أحد. ليحق له أن يحاسبها إذا قصرت، وأن يقومها إذا إعوجت، وأن يستبدلها بغيرها متى رأى أن اختياره لم يحقق آماله المرجوة، ولتتعامل قيادته معه وهى مدركة ملكيته لهذه الحقوق.فهل تختلف معنا أن هذا حقنا كشعب؟ وما موقفك من هذه المطالب العشرة للوصول لهذا الحق؟
وماذا إذا أصر الشعب عليها فهل تقف معه أو ضده؟ وهل توافقنا الرأى أن مصر العظيمة تستحق أفضل من هذا الذى يراد لها وبمستقبلها؟ وبصرف النظر عما إذا كان تحقيق هذه المطالب العشرة يتوافق أو يتعارض مع مشروعك وآمالك وطموحك، فنحن نريد أن نسمع موقفك من هذه المطالب، ثم ألا ترى معنا أن فترة انتقالية يسترد فيها الوطن عافيته (ثم يأتى بعد ذلك من يأتى بطريقة ديمقراطية حقيقية) هى محل فخر وشرف- وأكبر مصدر قوة- لمن سيأتى به الشعب ويلتف حوله؟!.
أخيراً سيدى هل تستكثر على مصر الكبيرة فترة انتقالية ربما تستطيع أن ترتقى فيها أنت فى سلم العمل السياسى فى جو ديمقراطى صحيح (دون استغلال لنفوذ والدك) فتصبح أميناً عاماً للحزب ثم رئيساً له، وتعرض نفسك وخبراتك وحزبك على الشعب فى تنافسية حقيقية وديمقراطية حقيقية؟! ألا ترى معى أن مصر تستحق هذا وأكثر منه؟
أكرر أنه ليس بيننا وبينك خصومة شخصية، لكن مصر ومستقبل شعبها أغلى علينا من حسابات الصداقة والخصومة.
إلى النخبة السياسية والمعارضة المصرية:
كلنا نعانى نفس حالة الانسداد، ونواجه جميعاً نفس حائط الصد، ويستوى فى ذلك مشروعنا الوطنى المشترك أو مشروعاتنا الأيديولوجية المختلفة (سواء الليبرالية أو اليسارية أو القومية أو الإسلامية)، وفى الوقت الذى يدرك فيه الشارع المصرى تماماً فساد واستبداد النظام القائم فإنه لا يرى أمامه بديلاً عنه، فهل يمكن أن نتفق على الحد الأدنى من المطالب المتفق عليها بيننا جميعاً- سواء هذه المطالب العشرة التى ذكرتها أو جزءا منها- ونقف جميعاً وراءها صفاً واحداً وأيادى متشابكة فى مواقف موحدة رغم تنوعاتنا السياسية والفكرية- يتابعنا الشارع المصرى ونحن ندافع عن حقوقه فى حملات متتالية (ضد التوريث- ضد التزوير- ضد الاحتكار ضد إهدار ثروات الوطن- ضد إهدار الحق فى الصحة والحق فى التعليم- ضد تمديد الطوارئ- ضد الموقف السلبى من الاعتداءات الصهيونية على أمتنا ومقدساتنا- ....)،
وهكذا تتراكم مواقفنا الموحدة أمام الجماهير- كجماعة وطنية ممثلة للشعب المصرى ومدافعة عن حقوقه، (فى وقت ستكون مصداقية تمثيل المجالس النيابية المقبلة للشعب محل نظر)، وبذلك يمكن أن تتعاطى الجماهير مع النخبة بقدر من الثقة فيها والطمأنينة لمواقفها، وتأخذ الجماهير فرصتها فى التمييز بجلاء بين من معها ومن عليها، وهى خطوة لابد منها كى تنتقل الجماهير من موقع المشاهدة والمتابعة إلى موقع المشاركة والتأثير.
بقيت مبادرة أظنها واجبة على الإخوان المسلمين ليبطلوا الفزاعة (التى يستثمرها خصوم الوطن فى التخويف منهم ويتخذون منها شماعة لتبرير التعويق لخطوات الإصلاح السياسى الحقيقى): سأفرد لها مقالاً آخر إن شاء الله. أخيراً: أعلم أن المناخ العام فى اللحظة الراهنة قد لا يجعل أياً من هذه المطالب والمبادرات تحقق المرجو من ورائها، لكن حسبنا أننا بذلنا وسعنا، وحاولنا إنارة الطريق بمعالم للخروج من المأزق ولو لجيل قادم حتماً سيشرق من بين يديه فجر جديد.
(اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد).
0 التعليقات:
إرسال تعليق