شَهِدتْ كلية الحقوق بجامعة القاهرة الثلاثاء 29 من ذي القعدة 1430هـ الموافق 17/11/2009 مناقشةَ رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث محمد فريد عبد الخالق صاحب الأربعة والتسعين عامًا في موضوع "الاحتساب على ذوي الجاه والسلطان".
جاءت أجواء الرسالة حميمية بقدر ما تتسع شخصية صاحبها، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، والمفكر الإسلامي الكبير.. وقد تشكلت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة من أ.د يوسف قاسم رئيسا ومشرفا، وأ.د محمد سليم العوا عضوا، والأستاذ الدكتور محمد نجيب عوضين عضوا.
ومع أن لجنة المناقشة كانت تبدي ملاحظاتها على الرسالة بجدية، إلا أن تلك الجدية لم تخل من ود وإجلال كبير لشخص الباحث، إلى أن انتهت اللجنة بمنحه درجة الدكتوراه بامتياز، مع التوصية بطبع الرسالة على نفقة الجامعة؛ لتعميم الإفادة من موضوعها المهم ومعالجاتها المتميزة، حسب تعبير اللجنة.
وشهدت الجلسة حضور عدد كبير من أصدقاء فريد عبد الخالق وتلامذته، ومن قياديي جماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن متابعة أجهزة الإعلام المختلفة، وكان في مقدمة الحضور الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وسيف الإسلام حسن البنا، والمستشارة نهى الزيني، والدكتور صلاح عبد الكريم، وغيرهم.
ولفت الدكتور محمد سليم العوا -عضو لجنة المناقشة- إلى أن الباحث فريد عبد الخالق يعد أكبر من ناقش رسالة دكتوراه في التاريخ، مشيرا إلى أن أكبر الباحثين قبل فريد عبد الخالق ناقش رسالته وهو في الـ 70 من عمره، أي وهو أصغر من الباحث بأكثر من 20 عاما.
وأعرب العوا عن سعادته البالغة بكونه أحد أعضاء مناقشة رسالة "الاحتساب على ذوي الجاه والسلطان"، مشيرا إلى بعض مواضع التميز والابتكار في الرسالة.
مآخذ للعوا
ونبه العوا إلى بعض المآخذ على الرسالة، والتي جاء في مقدمتها رفضه لما قرره الباحث من أن إقامة الخلافة هو واجب الأمة؛ حيث رأى العوا أن الخلافة نظام تاريخي لا يصلح لهذا الزمان، وأن العبارة الأكثر دقة هي أن واجب الأمة هو إقامة الحكم العادل أيا كان مظهره.
وأكد العوا أن وجود فريد عبد الخالق ومن مثله دليل على يقظة الأمة وتميزها، وأشار إلى فريد عبد الخالق قائلا: هذه هي الأمة التي تطلب العلم من المهد إلى اللحد.
وقد تناولت الرسالة نظام الحِسْبة في الإسلام باعتباره نظاما قانونيا يعتمد في أساسه على نصوص من القرآن والسنة للاحتساب على ذوي السلطان، وتغيير المنكرات التي تقع منهم على حقوق الله، كالاعتداء على مبدأ الشورى والحرية والمساواة.
وحاولت الدراسة إبراز الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه الحسبة في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتقديم تصور صحيح ومقبول لنظام الحسبة الإسلامي يمكن أن يؤدي دوره في الاحتساب على ذوي الجاه والسلطان في وقتنا الحاضر.
وأشارت الدراسة إلى واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مقاومة الظلم بجميع صوره، من سياسي، واجتماعي، واقتصادي، ومحاربة أنواع الفساد التي تقع من ذوي الجاه والسلطان في المجتمع.
وتعرضت الدراسة إلى بعض النظم القانونية الوضعية، وما قدمته من تصورات ونظريات ومصطلحات في مجال تنظيم علاقة الحاكم والمحكوم، لافتة إلى بعض التطبيقات العملية وصورها المتنوعة.
المعادلة القرآنية
وأكد الباحث أن طاعة المحكومين إنما تكون للحاكم العدل الذي يؤدي ما ألزمه الله تعالى به من أمانات، مشيرا إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}؛ وهي الآية التي أتبعها الله عز وجل بقوله:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}؛ وهو ما يدل على الارتباط العضوي والقانوني بين طرفي معادلة العدل والطاعة.
وأوضح عبد الخالق أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع للمسلمين نموذجا رائعا حين امتنع عن تحديد أسس اختيار خليفته؛ وهو دليل واضح على فطنته صلى الله عليه وسلم إلى تغير الصيغ التي يتعامل بها المسلمون وتنوعها بتغير الزمان وأحواله.
ونبه الباحث إلى أهمية الدور الفاعل الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الدستورية في ضمان الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين، مؤكدا على توافق ذلك مع الشريعة الإسلامية، وعدم معارضته لأي أصل من أصوله.
وقال الباحث: إن نظام الحسبة نظام قانوني فذ قابل للتطور، يعتمد في أساسه على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية للاحتساب على ذوي السلطان، وتغيير المنكرات التي تقع منهم على حقوق الله في مفهوم العصر، كالاعتداء على مبدأ الشورى والحرية والمساواة وكرامة المواطن، وغير ذلك من المنكرات السياسية التي لم تكن محل الاهتمام الكافي في مباحث العلماء المتقدمين فيما يسمى -بلغة فقهاء العصر- علوم السياسة الشرعية أو القانون العام.
طموحات
وقدم الباحث تصورا لعدد من الأهداف الفرعية التي تطمح الرسالة أن تسهم -من خلال تضافر هذه الأهداف- في الوصول إلى الأهداف الكبرى التي تتغياها الدراسة وهي:
1- إبراز الدور الرقابي الشعبي على السلطات -المتمثل في نظام الحسبة- ولاسيما السلطة التنفيذية ورئيس الدولة.
2- طرح نظام احتسابي جماعي ومؤسسي لمقاومة جور السلطات التنفيذية وفسادها يجنبنا العنف في ممارسة الحسبة غير المنضبطة في مرتبة تغيير المنكر باليد بشكل عشوائي.
3- إلقاء الضوء على الضوابط الشرعية للحسبة في الإسلام، وعلى شروط المحتسب والمحتسب فيه.
4- إبراز احترام الإسلام لمبدأ الفصل بين السلطات.
5- عدم النظر للحسبة باعتبارها ضمن قضاء المظالم، وإنما باعتبارها قوى شعبية معارضة لجور الحاكم.
6- عدم التعامل مع الحسبة باعتبارها ولاية بوليسية، وإنما إدخالها في الفقه السياسي الإسلامي كمبدأ يمارسه المواطنون كفرض كفاية، والمؤسسات الدستورية المعنية كفرض عين، وعلى رأسها المجالس التشريعية البرلمانية، والأحزاب السياسية، وسائر منظمات حقوق الإنسان، والجمعيات الأهلية المعنية بالحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته العامة من اتحادات ونقابات.
7- تبيان عمومية تطبيق الحسبة في كل البلدان.
8- إمكانية رفع دعاوى الحسبة على الحاكم الجائر، وما يقع من الحكومات من بغي، أو فساد، أو مخالفة للدستور والقانون دون التزام بشرطي الصفة والمصلحة الملتزم بها في سائر الدعاوى القضائية؛ وهو ما ذهب إليه القانونيون تيسيرا لإمكانيتها، وتحقيقا لمقصدها.
9- الإشارة إلى إمكانية عولمة نظام الحسبة الإسلامي وتدويله، بناء على ما يقبل وما يرفض وما يطور منها.
10- تحليل التطبيقات المستحدثة الجارية لممارسة الحسبة في الوقت الراهن.
جاءت الدراسة في فصل تمهيدي عن المفاهيم الأساسية التي تشكل منطلقات الرؤية، ثم ثلاثة أبواب رئيسية يتناول أولها المفهوم السياسي للاحتساب وعلائقه.
أما الباب الثاني فيتعرض لعلاقة الحسبة بالدولة والحكم، مع تعريف المحتسب عليهم من ذوي السلطان، والمقارنة بين النظام الإسلامي في الاحتساب والأنظمة القانونية الوضعية، قبل أن يأتي الباب الثالث لمناقشة الأنظمة السياسية المعاصرة، والمقصود الاحتسابي فيها.
التوصيات
وختمت الدراسة بمجموعة من النتائج والتوصيات توصل إليها الباحث وهي:
·إن مقاومة الظلم والاحتساب على الحاكم واجب ديني، ومن أجل ذلك شرع الإسلام مقاومة الظلم، وأوجب على الأمة الإنكار على حكام الجور ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
·إن جوهر الديمقراطية مقبول في الإسلام، مع الإقرار بأن ثمة فوارق من أهمها أن سلطة الأغلبية التي هي إحدى ركائز نظام الحكم الديمقراطي النيابي- ليست مطلقة في الإسلام، وإنما هي محكومة بما قدره الإسلام من مبادئ وأصول جاءت بها نصوص القرآن والسنة على وجه القطع والإلزام التشريعي.
·إن الإسلام لم يفرض نظما مفصلة تحكم نشاطات الحياة المختلفة سواء بالنسبة لنظام الحكم -على أهميته القصوى- أو بالنسبة لغيره من الأنظمة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ونظام الحسبة في الإسلام لم يشذ عن هذه القاعدة؛ فما هو إلا واحد من هذه الأنظمة التي عرف أساسها، وجرت ممارسته منذ العهد النبوي.
·إن أعمال الحسبة الرقابية على السلطة الحاكمة ما يقوم به في نظامنا الحاضر هو جهات متعددة على رأسها المجالس النيابية وما خوله الدستور لها من حقوق ووسائل لأداء دورها الرقابي، وهو احتسابي، وكذلك المعارضة أحزابا وصحافة ونقابات وجماعات وغيرها، كما أن للقضاء العالي والإداري دوره في الحسبة؛ حيث يمكن اعتبار دعاوى الإلغاء أمام المحاكم الجنائية صورا لدعاوى الحسبة المعروفة في الفقه الإسلامي.
·إنه إلى جانب الوظائف التقليدية للحسبة، فإن لها وظيفة سياسية في المجتمع والدولة على السواء بالغة الأهمية والحيوية، بحيث يمكن أن نعتبرها جزءا أساسيا من المشروع الحضاري الإسلامي المتكامل الذي يستهدفه المسلمون عامة، وعلماء الأمة ومفكروها الإسلاميون خاصة، ويجدون في إحياء وظيفة الحسبة عامة، وعلى ذوي الجاه والسلطان خاصة، أداة للإصلاح الدستوري من منظور الديمقراطية الحقيقية.
·إن الحسبة على ذوي السلطان تشكل كبرى الضمانات الشرعية للحريات العامة والحقوق الأساسية للإنسان، أو المبادئ التي تحمي الأفراد من طغيان الدولة واستبداد الحكام؛ وهو المطلب العاجل والملح الذي تتطلع إليه الشعوب، لاسيما الواقعة منها في دائرة الدول النامية، ودولنا العربية والإسلامية داخلة فيها.
·إن الضرورة تجعل المحظور جائزا؛ لذلك فإن الحكومة -الخلافة- التي لا تتوفر فيها جميع الخصائص المميزة للحكومة الصحيحة تصبح برغم ذلك جائزة -أي شرعية- ما دام أنها تمثل أخف الضررين؛ لأن احتمال قيام نظام مشوب بعيوب الحكومة الناقصة أقل ضررا وخطورة من غياب كامل لأي نظام للحكومة الإسلامية.
·إن مبدأ الفصل بين السلطات في الإسلام إضافة إلى مبدأ الشرعية الإسلامية -بمعنى سيادة الشريعة- يكونان أكبر سند شرعي لوظيفة الحسبة على ذوي السلطان؛ لما يتضمنان من تقييد السلطة التنفيذية بمهمتها الدستورية وهي التنفيذ لا التشريع، ومن غلق الباب أمام الحكام دون حق استصدار قوانين ظالمة.
إن المقاصد التي تخدم الأمة العربية والإسلامية من خلال هذا الموضوع ترتبط ارتباطا وثيقا بكيفية مشاركة الحاكم للمحكوم، وكيفية مشاركة المحكوم للحاكم؛ مما يجل المسئولية تقع على عاتق الاثنين، أما إذا ظلم الحاكم وجحد لقوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [العلق 6-7]، نجده في هذه الحالة مستغنيا عن الشعب، وأن عنده من الأجهزة المعاونة ما يجعله يبطش ويظلم؛ مما يترتب على ذلك عدم وجود دور ورأي عام قوي للمحكومين.
جاءت أجواء الرسالة حميمية بقدر ما تتسع شخصية صاحبها، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، والمفكر الإسلامي الكبير.. وقد تشكلت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة من أ.د يوسف قاسم رئيسا ومشرفا، وأ.د محمد سليم العوا عضوا، والأستاذ الدكتور محمد نجيب عوضين عضوا.
ومع أن لجنة المناقشة كانت تبدي ملاحظاتها على الرسالة بجدية، إلا أن تلك الجدية لم تخل من ود وإجلال كبير لشخص الباحث، إلى أن انتهت اللجنة بمنحه درجة الدكتوراه بامتياز، مع التوصية بطبع الرسالة على نفقة الجامعة؛ لتعميم الإفادة من موضوعها المهم ومعالجاتها المتميزة، حسب تعبير اللجنة.
وشهدت الجلسة حضور عدد كبير من أصدقاء فريد عبد الخالق وتلامذته، ومن قياديي جماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن متابعة أجهزة الإعلام المختلفة، وكان في مقدمة الحضور الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وسيف الإسلام حسن البنا، والمستشارة نهى الزيني، والدكتور صلاح عبد الكريم، وغيرهم.
ولفت الدكتور محمد سليم العوا -عضو لجنة المناقشة- إلى أن الباحث فريد عبد الخالق يعد أكبر من ناقش رسالة دكتوراه في التاريخ، مشيرا إلى أن أكبر الباحثين قبل فريد عبد الخالق ناقش رسالته وهو في الـ 70 من عمره، أي وهو أصغر من الباحث بأكثر من 20 عاما.
وأعرب العوا عن سعادته البالغة بكونه أحد أعضاء مناقشة رسالة "الاحتساب على ذوي الجاه والسلطان"، مشيرا إلى بعض مواضع التميز والابتكار في الرسالة.
مآخذ للعوا
ونبه العوا إلى بعض المآخذ على الرسالة، والتي جاء في مقدمتها رفضه لما قرره الباحث من أن إقامة الخلافة هو واجب الأمة؛ حيث رأى العوا أن الخلافة نظام تاريخي لا يصلح لهذا الزمان، وأن العبارة الأكثر دقة هي أن واجب الأمة هو إقامة الحكم العادل أيا كان مظهره.
وأكد العوا أن وجود فريد عبد الخالق ومن مثله دليل على يقظة الأمة وتميزها، وأشار إلى فريد عبد الخالق قائلا: هذه هي الأمة التي تطلب العلم من المهد إلى اللحد.
وقد تناولت الرسالة نظام الحِسْبة في الإسلام باعتباره نظاما قانونيا يعتمد في أساسه على نصوص من القرآن والسنة للاحتساب على ذوي السلطان، وتغيير المنكرات التي تقع منهم على حقوق الله، كالاعتداء على مبدأ الشورى والحرية والمساواة.
وحاولت الدراسة إبراز الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه الحسبة في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتقديم تصور صحيح ومقبول لنظام الحسبة الإسلامي يمكن أن يؤدي دوره في الاحتساب على ذوي الجاه والسلطان في وقتنا الحاضر.
وأشارت الدراسة إلى واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مقاومة الظلم بجميع صوره، من سياسي، واجتماعي، واقتصادي، ومحاربة أنواع الفساد التي تقع من ذوي الجاه والسلطان في المجتمع.
وتعرضت الدراسة إلى بعض النظم القانونية الوضعية، وما قدمته من تصورات ونظريات ومصطلحات في مجال تنظيم علاقة الحاكم والمحكوم، لافتة إلى بعض التطبيقات العملية وصورها المتنوعة.
المعادلة القرآنية
وأكد الباحث أن طاعة المحكومين إنما تكون للحاكم العدل الذي يؤدي ما ألزمه الله تعالى به من أمانات، مشيرا إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}؛ وهي الآية التي أتبعها الله عز وجل بقوله:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}؛ وهو ما يدل على الارتباط العضوي والقانوني بين طرفي معادلة العدل والطاعة.
وأوضح عبد الخالق أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع للمسلمين نموذجا رائعا حين امتنع عن تحديد أسس اختيار خليفته؛ وهو دليل واضح على فطنته صلى الله عليه وسلم إلى تغير الصيغ التي يتعامل بها المسلمون وتنوعها بتغير الزمان وأحواله.
ونبه الباحث إلى أهمية الدور الفاعل الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الدستورية في ضمان الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين، مؤكدا على توافق ذلك مع الشريعة الإسلامية، وعدم معارضته لأي أصل من أصوله.
وقال الباحث: إن نظام الحسبة نظام قانوني فذ قابل للتطور، يعتمد في أساسه على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية للاحتساب على ذوي السلطان، وتغيير المنكرات التي تقع منهم على حقوق الله في مفهوم العصر، كالاعتداء على مبدأ الشورى والحرية والمساواة وكرامة المواطن، وغير ذلك من المنكرات السياسية التي لم تكن محل الاهتمام الكافي في مباحث العلماء المتقدمين فيما يسمى -بلغة فقهاء العصر- علوم السياسة الشرعية أو القانون العام.
طموحات
وقدم الباحث تصورا لعدد من الأهداف الفرعية التي تطمح الرسالة أن تسهم -من خلال تضافر هذه الأهداف- في الوصول إلى الأهداف الكبرى التي تتغياها الدراسة وهي:
1- إبراز الدور الرقابي الشعبي على السلطات -المتمثل في نظام الحسبة- ولاسيما السلطة التنفيذية ورئيس الدولة.
2- طرح نظام احتسابي جماعي ومؤسسي لمقاومة جور السلطات التنفيذية وفسادها يجنبنا العنف في ممارسة الحسبة غير المنضبطة في مرتبة تغيير المنكر باليد بشكل عشوائي.
3- إلقاء الضوء على الضوابط الشرعية للحسبة في الإسلام، وعلى شروط المحتسب والمحتسب فيه.
4- إبراز احترام الإسلام لمبدأ الفصل بين السلطات.
5- عدم النظر للحسبة باعتبارها ضمن قضاء المظالم، وإنما باعتبارها قوى شعبية معارضة لجور الحاكم.
6- عدم التعامل مع الحسبة باعتبارها ولاية بوليسية، وإنما إدخالها في الفقه السياسي الإسلامي كمبدأ يمارسه المواطنون كفرض كفاية، والمؤسسات الدستورية المعنية كفرض عين، وعلى رأسها المجالس التشريعية البرلمانية، والأحزاب السياسية، وسائر منظمات حقوق الإنسان، والجمعيات الأهلية المعنية بالحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته العامة من اتحادات ونقابات.
7- تبيان عمومية تطبيق الحسبة في كل البلدان.
8- إمكانية رفع دعاوى الحسبة على الحاكم الجائر، وما يقع من الحكومات من بغي، أو فساد، أو مخالفة للدستور والقانون دون التزام بشرطي الصفة والمصلحة الملتزم بها في سائر الدعاوى القضائية؛ وهو ما ذهب إليه القانونيون تيسيرا لإمكانيتها، وتحقيقا لمقصدها.
9- الإشارة إلى إمكانية عولمة نظام الحسبة الإسلامي وتدويله، بناء على ما يقبل وما يرفض وما يطور منها.
10- تحليل التطبيقات المستحدثة الجارية لممارسة الحسبة في الوقت الراهن.
جاءت الدراسة في فصل تمهيدي عن المفاهيم الأساسية التي تشكل منطلقات الرؤية، ثم ثلاثة أبواب رئيسية يتناول أولها المفهوم السياسي للاحتساب وعلائقه.
أما الباب الثاني فيتعرض لعلاقة الحسبة بالدولة والحكم، مع تعريف المحتسب عليهم من ذوي السلطان، والمقارنة بين النظام الإسلامي في الاحتساب والأنظمة القانونية الوضعية، قبل أن يأتي الباب الثالث لمناقشة الأنظمة السياسية المعاصرة، والمقصود الاحتسابي فيها.
التوصيات
وختمت الدراسة بمجموعة من النتائج والتوصيات توصل إليها الباحث وهي:
·إن مقاومة الظلم والاحتساب على الحاكم واجب ديني، ومن أجل ذلك شرع الإسلام مقاومة الظلم، وأوجب على الأمة الإنكار على حكام الجور ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
·إن جوهر الديمقراطية مقبول في الإسلام، مع الإقرار بأن ثمة فوارق من أهمها أن سلطة الأغلبية التي هي إحدى ركائز نظام الحكم الديمقراطي النيابي- ليست مطلقة في الإسلام، وإنما هي محكومة بما قدره الإسلام من مبادئ وأصول جاءت بها نصوص القرآن والسنة على وجه القطع والإلزام التشريعي.
·إن الإسلام لم يفرض نظما مفصلة تحكم نشاطات الحياة المختلفة سواء بالنسبة لنظام الحكم -على أهميته القصوى- أو بالنسبة لغيره من الأنظمة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ونظام الحسبة في الإسلام لم يشذ عن هذه القاعدة؛ فما هو إلا واحد من هذه الأنظمة التي عرف أساسها، وجرت ممارسته منذ العهد النبوي.
·إن أعمال الحسبة الرقابية على السلطة الحاكمة ما يقوم به في نظامنا الحاضر هو جهات متعددة على رأسها المجالس النيابية وما خوله الدستور لها من حقوق ووسائل لأداء دورها الرقابي، وهو احتسابي، وكذلك المعارضة أحزابا وصحافة ونقابات وجماعات وغيرها، كما أن للقضاء العالي والإداري دوره في الحسبة؛ حيث يمكن اعتبار دعاوى الإلغاء أمام المحاكم الجنائية صورا لدعاوى الحسبة المعروفة في الفقه الإسلامي.
·إنه إلى جانب الوظائف التقليدية للحسبة، فإن لها وظيفة سياسية في المجتمع والدولة على السواء بالغة الأهمية والحيوية، بحيث يمكن أن نعتبرها جزءا أساسيا من المشروع الحضاري الإسلامي المتكامل الذي يستهدفه المسلمون عامة، وعلماء الأمة ومفكروها الإسلاميون خاصة، ويجدون في إحياء وظيفة الحسبة عامة، وعلى ذوي الجاه والسلطان خاصة، أداة للإصلاح الدستوري من منظور الديمقراطية الحقيقية.
·إن الحسبة على ذوي السلطان تشكل كبرى الضمانات الشرعية للحريات العامة والحقوق الأساسية للإنسان، أو المبادئ التي تحمي الأفراد من طغيان الدولة واستبداد الحكام؛ وهو المطلب العاجل والملح الذي تتطلع إليه الشعوب، لاسيما الواقعة منها في دائرة الدول النامية، ودولنا العربية والإسلامية داخلة فيها.
·إن الضرورة تجعل المحظور جائزا؛ لذلك فإن الحكومة -الخلافة- التي لا تتوفر فيها جميع الخصائص المميزة للحكومة الصحيحة تصبح برغم ذلك جائزة -أي شرعية- ما دام أنها تمثل أخف الضررين؛ لأن احتمال قيام نظام مشوب بعيوب الحكومة الناقصة أقل ضررا وخطورة من غياب كامل لأي نظام للحكومة الإسلامية.
·إن مبدأ الفصل بين السلطات في الإسلام إضافة إلى مبدأ الشرعية الإسلامية -بمعنى سيادة الشريعة- يكونان أكبر سند شرعي لوظيفة الحسبة على ذوي السلطان؛ لما يتضمنان من تقييد السلطة التنفيذية بمهمتها الدستورية وهي التنفيذ لا التشريع، ومن غلق الباب أمام الحكام دون حق استصدار قوانين ظالمة.
إن المقاصد التي تخدم الأمة العربية والإسلامية من خلال هذا الموضوع ترتبط ارتباطا وثيقا بكيفية مشاركة الحاكم للمحكوم، وكيفية مشاركة المحكوم للحاكم؛ مما يجل المسئولية تقع على عاتق الاثنين، أما إذا ظلم الحاكم وجحد لقوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [العلق 6-7]، نجده في هذه الحالة مستغنيا عن الشعب، وأن عنده من الأجهزة المعاونة ما يجعله يبطش ويظلم؛ مما يترتب على ذلك عدم وجود دور ورأي عام قوي للمحكومين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق